Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 57-62)

Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَا أَبَداً } قدم ذكر الكفار ووعيدهم على ذكر المؤمنين ووعدهم لأن الكلام فيهم ، وذكر المؤمنين بالعرض . { لَّهُمْ فِيهَا أَزْوٰجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِـلاًّ ظَلِيلاً } فينانا لا جوب فيه ودائماً لا تنسخه الشمس ، وهو إشارة إلى النعمة التامة الدائمة . والظليل صفة مشتقة من الظل لتأكيده كقولهم : شمس شامس وليل أليل ويوم أيوم . { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلأَمَـٰنَـٰتِ إِلَى أَهْلِهَا } خطاب يعم المكلفين والأمانات ، وإن نزلت يوم الفتح في عثمان بن طلحة بن عبد الدار لما أغلق باب الكعبة ، وأبى أن يدفع المفتاح ليدخل فيها رسول الله وقال : لو علمت أنه رسول الله لم أمنعه فلوى علي كرم الله وجهه يده وأخذه منه وفتح ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى ركعتين فلما خرج سأله العباس رضي الله عنه أن يعطيه المفتاح ويجمع له السقاية والسدانة . فنزلت فأمره الله أن يرده إليه ، فأمر علياً رضي الله عنه أن يرده ويعتذر إليه ، وصار ذلك سبباً لإِسلامه ونزل الوحي بأن السدانة في أولاده أبداً { وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِٱلْعَدْلِ } أي وأن تحكموا بالإِنصاف والسوية إذا قضيتم بين من ينفذ عليه أمركم ، أو يرضى بحكمكم ولأن الحكم وظيفة الولاة قيل الخطاب لهم . { إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ } أي نعم شيئاً يعظكم به ، أو نعم الشيء الذي يعظكم به فما منصوبة موصوفة بيعظكم به . أو مرفوعة موصولة به . والمخصوص بالمدح محذوف وهو المأمور به من أداء الأمانات والعدل في الحكومات . { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً } بأقوالكم وأحكامكم وما تفعلون في الأمانات . { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ } يريد بهم أمراء المسلمين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وبعده ، ويندرج فيهم الخلفاء والقضاة وأمراء السرية . أمر الناس بطاعتهم بعدما أمرهم بالعدل تنبيهاً على أن وجوب طاعتهم ما داموا على الحق . وقيل علماء الشرع لقوله تعالى : { وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُوْلِي ٱلاْمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } [ النساء : 83 ] { فَإِن تَنَازَعْتُمْ } أنتم وأولو الأمر منكم . { فِي شَيْءٍ } من أمور الدين ، وهو يؤيد الوجه الأول إذ ليس للمقلد أن ينازع المجتهد في حكمه بخلاف المرؤوس إلا أن يقال الخطاب لأولي الأمر على طريقة الالتفات . { فَرُدُّوهُ } فراجعوا فيه . { إِلَى ٱللَّهِ } إلى كتابه . { وَٱلرَّسُولِ } بالسؤال عنه في زمانه ، والمراجعة إلى سنته بعده . واستدل به منكرو القياس وقالوا : إنه تعالى أوجب رد المختلف إلى الكتاب والسنة دون القياس . وأجيب بأن رد المختلف إلى المنصوص عليه إنما يكون بالتمثيل والبناء عليه وهو القياس ، ويؤيد ذلك الأمر به بعد الأمر بطاعة الله وطاعة رسوله فإنه يدل على أن الأحكام ثلاثة مثبت بالكتاب ومثبت بالسنة ومثبت بالرد إليهما على وجه القياس . { إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } فَإِن الإِيمان يوجب ذلك . { ذٰلِكَ } أي الرد . { خَيْرٌ } لكم . { وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } عاقبة أو أحسن تأويلاً من تأويلكم بلا رد . { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءَامَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى ٱلطَّـٰغُوتِ } عن ابن عباس رضي الله عنهما . " أن منافقاً خاصم يهودياً فدعاه اليهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ودعاه المنافق إلى كعب بن الأشرف ثم إنهما احتكما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحكم لليهودي فلم يرض المنافق بقضائه وقال : نتحاكم إلى عمر فقال اليهودي لعمر : قضى لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرض بقضائه وخاصم إليك ، فقال عمر رضي الله تعالى عنه للمنافق : أكذلك . فقال نعم . فقال : مكانكما حتى أخرج إليكما ، فدخل فأخذ سيفه ثم خرج فضرب به عنق المنافق حتى برد وقال : هكذا أقضي لمن يرضَ بقضاء الله ورسوله " فنزلت . وقال جبريل إن عمر قد فرق بين الحق والباطل فسمي الفاروق ، والطاغوت على هذا كعب بن الأشرف وفي معناه من يحكم بالباطل ويؤثر لأجله ، سمي بذلك لفرط طغيانه أو لتشبهه بالشيطان ، أو لأن التحاكم إليه تحاكم إلى الشيطان من حيث إنه الحامل عليه كما قال . { وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ ٱلشَّيْطَـٰنُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَـٰلاً بَعِيداً } وقرىء أن « يكفروا بها » على أن الطاغوت جمع كقوله تعالى { أَوْلِيَاؤُهُمُ ٱلطَّـٰغُوتُ يُخْرِجُونَهُم } [ البقرة : 257 ] { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَا أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ } وقرىء { تَعَالَوْاْ } بضم اللام على أنه حذف لام الفعل اعتباطاً ثم ضم اللام لواو الضمير . { رَأَيْتَ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً } هو مصدر أو اسم للمصدر الذي هو الصد ، والفرق بينه وبين السد أنه غير محسوس والسد محسوس ويصدون في موضع الحال . { فَكَيْفَ } يكون حالهم . { إِذَا أَصَـٰبَتْهُمْ مُّصِيبَةٌ } كقتل عمر المنافق أو النقمة من الله تعالى . { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } من التحاكم إلى غيرك وعدم الرضى بحكمك . { ثُمَّ جَاؤُوكَ } حين يصابون للاعتذار ، عطف على أصابتهم . وقيل على يصدون وما بينهما اعتراض . { يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ } حال . { إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً } ما أردنا بذلك إلا الفصل بالوجه الأحسن والتوفيق بين الخصمين ، ولم نرد مخالفتك . وقيل جاء أصحاب القتيل طالبين بدمه وقالوا ما أردنا بالتحاكم إلى عمر إلا أن يحسن إلى صاحبنا ويوفق بينه وبين خصمه .