Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 63-73)

Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ أُولَـئِكَ ٱلَّذِينَ يَعْلَمُ ٱللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ } من النفاق فلا يغني عنهم الكتمان والحلف الكاذب من العقاب . { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } أي عن عقابهم لمصلحة في استبقائهم أو عن قبول معذرتهم . { وَعِظْهُمْ } بلسانك وكفهم عما هم عليه . { وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ } أي في معنى أنفسهم أو خالياً بهم فإن النصح في السر أنجع . { قَوْلاً بَلِيغاً } يبلغ منهم ويؤثر فيهم ، أمرهم بالتجافي عن ذنوبهم والنصح لهم والمبالغة فيه بالترغيب والترهيب ، وذلك مقتضى شفقة الأنبياء عليهم السلام ، وتعليق الظرف ببليغا على معنى بليغاً في أنفسهم مؤثراً فيها ضعيف لأن معمول الصفة لا يتقدم على الموصوف ، والقول البليغ في الأصل هو الذي يطابق مدلوله المقصود به . { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } بسبب إذنه في طاعته وأمره المبعوث إليهم بأن يطيعوه ، وكأنه احتج بذلك على أن الذي لم يرض بحكمه وإن أظهر الإسلام كان كافراً مستوجب القتل ، وتقريره أن إرسال الرسول لما لم يكن إلا ليطاع كان من لم يطعه ولم يرض بحكمه لم يقبل رسالته ومن كان كذلك كان كافراً مستوجب القتل . { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ } بالنفاق أو التحاكم إلى الطاغوت . { جاؤوكَ } تائبين من ذلك وهو خبر أن وإذ متعلق به . { جَاءوكَ فَٱسْتَغْفَرُواْ ٱللَّهَ } بالتوبة والإِخلاص . { وَٱسْتَغْفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ } واعتذروا إليك حتى انتصبت لهم شفيعاً ، وإنما عدل الخطاب تفخيماً لشأنه وتنبيهاً على أن من حق الرسول أن يقبل اعتذار التائب وإن عظم جرمه ويشفع له ، ومن منصبه أن يشفع في كبائر الذنوب . { لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً } لعلموه قابلاً لتوبتهم متفضلاً عليهم بالرحمة ، وإن فسر وجد بصادف كان تواباً حالاً ورحيماً بدلاً منه أو حالاً من الضمير فيه . { فَلاَ وَرَبّكَ } أي فوربك ، ولا مزيدة لتأكيد القسم لا لتظاهر لا في قوله : { لاَ يُؤْمِنُونَ } لأنها تزاد أيضاً في الإثبات كقوله تعالى : { لاَ أُقْسِمُ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } [ البلد : 1 ] { حَتَّىٰ يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ } فيما اختلف بينهم واختلط ومنه الشجر لتداخل أغصانه . { ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مّمَّا قَضَيْتَ } ضيقاً مما حكمت به ، أو من حكمك أو شكاً من أجله ، فإن الشاك في ضيق من أمره . { وَيُسَلّمُواْ تَسْلِيماً } وينقادوا لك انقياداً بظاهرهم وباطنهم . { وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ ٱقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ } تعرضوا بها للقتل في الجهاد ، أو اقتلوها كما قتل بنو إسرائيل وأن مصدرية أو مفسرة لأن كتبنا في معنى أمرنا . { أَوِ ٱخْرُجُواْ مِن دِيَـٰرِكُمْ } خروجهم حين استتيبوا من عبادة العجل ، وقرأ أبو عمرو ويعقوب أن اقتلوا بكسر النون على أصل التحريك ، أو اخرجوا بضم الواو للاتباع والتشبيه بواو الجمع في نحو قوله تعالى : { وَلاَ تَنسَوُوا ٱلْفَضْلِ } [ البقرة : 237 ] وقرأ حمزة وعاصم بكسرهما على الأصل والباقون بضمهما إجراء لهما مجرى الهمزة المتصلة بالفعل . { وَمَا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مّنْهُمْ } إلا أناس قليل وهم المخلصون . لما بين أن إيمانهم لا يتم إلا بأن يسلموا حق التسليم ، نبه على قصور أكثرهم ووهن إسلامهم ، والضمير للمكتوب ودل عليه كتبنا ، أو لأحد مصدري الفعلين وقرأ ابن عامر بالنصب على الاستثناء أو على إلا فعلاً قليلاً . { وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ } من متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم مطاوعته طوعاً ورغبة . { لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } في عاجلهم وآجلهم . { وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً } في دينهم لأنه أشد لتحصيل العلم ونفي الشك أو تثبيتاً لثواب أعمالهم ونصبه على التمييز . والآيه أيضاً مما نزلت في شأن المنافق اليهودي . وقيل إنها والتي قبلها نزلتا في حاطب بن أبي بلتعة خاصم زبيراً في شراج من الجرة كانا يسقيان بها النخل ، فقال عليه الصلاة والسلام : " اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك ، فقال حاطب : لأن كان ابن عمتك . فقال عليه الصلاة والسلام أسق يا زبير ثم احبس الماء إلى الجدر واستوف حقك ، ثم أرسله إلى جارك " { وَإِذاًلآتََيْنَـٰهُمْ مّن لَّدُنَّـا أَجْراً عَظِيماً } جواب لسؤال مقدر كأنه قيل ؛ وما يكون لهم بعد التثبيت فقال وإذا لو تثبتوا لآتيناهم لأن { إِذَا } جواب وجزاء . { وَلَهَدَيْنَـٰهُمْ صِرٰطاً مُّسْتَقِيماً } يصلون بسلوكه جناب القدس ويفتح عليهم أبواب الغيب ، قال النبي صلى الله عليه وسلم " من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم " { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم } مزيد ترغيب في الطاعة بالوعد عليها مرافقة أكرم الخلائق وأعظمهم قدراً . { مّنَ ٱلنَّبِيّينَ وَٱلصّدّيقِينَ وَٱلشُّهَدَاء وَٱلصَّـٰلِحِينَ } بيان للذين أو حال منه ، أو من ضميره قسمهم أربعة أقسام بحسب منازلهم في العلم والعمل ، وحث كافة الناس على أن لا يتأخروا عنهم ، وهم : الأنبياء الفائزون بكمال العلم والعمل المتجاوزون حد الكمال إلى درجة التكميل . ثم الصديقون الذين صعدت نفوسهم تارة بمراقي النظر في الحجج والآيات وأخرى بمعارج التصفية والرياضات إلى أوج العرفان ، حتى اطلعوا على الأشياء وأخبروا عنها على ما هي عليها . ثم الشهداء الذين أدى بهم الحرص على الطاعة والجد في إظهار الحق حتى بذلوا مهجهم في إعلاء كلمة الله تعالى . ثم الصالحون الذين صرفوا أعمارهم في طاعته وأموالهم في مرضاته . ولك أن تقول المنعم عليهم هم العارفون بالله وهؤلاء إما أن يكونوا بالغين درجة العيان أو واقفين في مقام الاستدلال والبرهان . والأولون إما أن ينالوا مع العيان القرب بحيث يكونون كمن يرى الشيء قريباً وهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أولاً فيكونون كمن يرى الشيء بعيداً وهم الصديقون ، والآخرون إما أن يكون عرفانهم بالبراهين القاطعة وهم العلماء الراسخون في العلم الذين هم شهداء الله في أرضه ، وإما أن يكون بأمارات وإقناعات تطمئن إليها نفوسهم وهم الصالحون . { وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً } في معنى التعجب ، و { رفيقاً } في معنى التعجب ، ورفيقاً نصب على التمييز أو الحال ولم يجمع لأنه يقال للواحد والجمع كالصديق ، أو لأنه أريد وحسن كل واحد منهم رفيقاً . روي أن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه يوماً وقد تغير وجهه ونحل جسمه ، فسأله عن حاله فقال : ما بي من وجع غير أني إذا لم أرك اشتقت إليك واستوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك ، ثم ذكرت الآخرة فخفت أن لا أراك هناك لأني عرفت أنك ترتفع مع النبيين وإن أدخلت الجنة كنت في منزل دون منزلك ، وإن لم أدخل فذلك حين لا أراك أبداً فنزلت . { ذَلِكَ } مبتدأ إشارة إلى ما للمطيعين من الأجر ومزيد الهداية ومرافقة المنعم عليهم ، أو إلى فضل هؤلاء المنعم عليهم ومزيتهم . { ٱلْفَضْلِ } صفته . { مِنَ ٱللَّهِ } خبره أو الفضل خبره ومن الله حال والعامل فيه معنى الإِشارة . { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ عَلِيماً } بجزاء من أطاعه ، أو بمقادير الفضل واستحقاق أهله . { يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ } تيقظوا واستعدوا للأعداء ، والحذر والحذر كالأثر والأثر . وقيل ما يحذر به كالحزم والسلاح . { فَٱنفِرُواْ } فاخرجوا إلى الجهاد . { ثُبَاتٍ } جماعات متفرقة ، جمع ثبة من ثبيت على فلان تثبية إذا ذكرت متفرق محاسنه ويجمع أيضاً على ثبين جبراً لما حذف من عجزه . { أَوِ ٱنْفِرُواْ جَمِيعاً } مجتمعين كوكبة واحدة ، والآية وإن نزلت في الحرب لكن يقتضي إطلاق لفظها وجوب المبادرة إلى الخيرات كلها كيفما أمكن قبل الفوات . { وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ } الخطاب لعسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمنين منهم والمنافقين والمبطئون منافقوهم تثاقلوا وتخلفوا عن الجهاد ، من بطأ بمعنى أبطأ وهو لازم أو ثبطوا غيرهم كما ثبط ابن أبي ناساً يوم أحد ، من بطأ منقولاً من بطؤ كثقل من ثقل واللام الأولى للابتداء دخلت اسم إن للفصل بالخبر ، والثانية جواب قسم محذوف والقسم بجوابه صلة من والراجع إليه ما استكن في ليبطئن والتقدير : وإن منكم لمن أقسم بالله ليبطئن . { فَإِنْ أَصَـٰبَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ } كقتل وهزيمة . { قَالَ } أي المبطىء . { قَدْ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَىَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَّعَهُمْ شَهِيداً } حاضراً فيصيبني ما أصابهم . { وَلَئِنْ أَصَـٰبَكُمْ فَضْلٌ مِنَ الله } كفتح وغنيمة . { لَّيَقُولَنَّ } أكده تنبيهاً على فرط تحسره ، وقرىء بضم اللام إعادة للضمير إلى معنى { مِنْ } . { كَأَن لَّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ } اعتراض بين الفعل ومفعوله وهو . { يٰلَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً } للتنبيه على ضعف عقيدتهم ، وأن قولهم هذا قول من لا مواصلة بينكم وبينه ، وإنما يريد أن يكون معكم لمجرد المال ، أو حال من الضمير في ليقولن أو داخل في المقول أي يقول المبطىء لمن يبطئه من المنافقين ، وضعفه المسلمين تضريباً وحسداً ، كأن لم يكن بينكم وبين محمد صلى الله عليه وسلم مودة حيث لم يستعن بكم فتفوزوا بما فازيا ليتني كنت معهم . وقيل : إنه متصل بالجملة الأولى وهو ضعيف ، إذ لا يفصل أبعاض الجملة بما لا يتعلق بها لفظاً ومعنى وكأن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن وهو محذوف . وقرأ ابن كثير وحفص عن عاصم ورويس عن يعقوب { تَكُنْ } بالتاء لتأنيث لفظ المودة ، والمنادى في يا ليتني محذوف أي : يا قوم وقيل يا أطلق للتنبيه على الاتساع فأفوز نصب على جواب التمني وقرىء بالرفع على تقدير فأنا أفوز في ذلك الوقت ، أو العطف على كنت .