Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 40, Ayat: 3-9)

Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ غَافِرِ ٱلذَّنبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ ذِى ٱلطَّوْلِ } صفات أخرى لتحقيق ما فيه من الترغيب والترهيب والحث على ما هو المقصود منه ، والإِضافة فيها حقيقية على أنه لم يرد بها زمان مخصوص ، وأريد بـ { شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } مشددة أو الشديد عقابه فحذف اللام للازدواج وأمن الالتباس ، أو إبدال وجعله وحده بدلاً مشوش للنظم وتوسيط الواو بين الأولين لإِفادة الجمع بين محو الذنوب وقبول التوبة ، أو تغاير الوصفين إذ ربما يتوهم الاتحاد ، أو تغاير موقع الفعلين لأن الغفر هو الستر فيكون لذنب باق وذلك لمن لم يتب فإن " التائب من الذنب كمن لا ذنب له " والتوب مصدر كالتوبة . وقيل جمعاً والطول الفضل بترك العقاب المستحق ، وفي توحيد صفة العذاب مغمورة بصفات الرحمة دليل رجحانها . { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } فيجب الإِقبال الكلي على عبادته . { إِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } فيجازي المطيع والعاصي . { مَا يُجَـٰدِلُ فِى ءايَـٰتِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } لما حقق أمر التنزيل سجل بالكفر على المجادلين فيه بالطعن وإدحاض الحق لقوله : { وَجَـٰدَلُوا بِٱلْبَـٰطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ } وأما الجدال فيه لحل عقده واستنباط حقائقه وقطع تشبث أهل الزيغ به وقطع مطاعنهم فيه فمن أعظم الطاعات ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام " إن جدالاً في القرآن كفر " بالتنكير مع أنه ليس جدالاً فيه على الحقيقة . { فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِى ٱلْبِلاَدِ } فلا يغررك إمهالهم وإقبالهم في دنياهم وتقلبهم في بلاد الشام واليمن بالتجارات المربحة فإنهم مأخوذون عما قريب بكفرهم أخذ من قبلهم كما قال : { كَـذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَٱلأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ } والذين تحزبوا على الرسل وناصبوهم بعد قوم نوح كعاد وثمود . { وَهَمَّتْ كُـلُّ أُمَّةٍ } من هؤلاء . { بِرَسُولِهِمْ } وقرىء « برسولها » . { لِيَأْخُذُوهُ } ليتمكنوا من إصابته بما أرادوا من تعذيب وقتل من الأخذ بمعنى الأسر . { وَجَـٰدَلُوا بِٱلْبَـٰطِلِ } بما لا حقيقة له . { لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ } ليزيلوه به . { فَأَخَذَتْهُمُ } بالإِهلاك جزاء لهم . { فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ } فإنكم تمرون على ديارهم وترون أثره . وهو تقرير فيه تعجيب . { وَكَذٰلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبّكَ } وعيده أو قضاؤه بالعذاب . { عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بكفرهم . { أَنَّهُمْ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ } بدل من كلمة { رَبَّكَ } بدل الكل أو الاشتمال على إرادة اللفظ أو المعنى . { ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ } الكروبيون أعلى طبقات الملائكة وأولهم وجوداً وحملهم إياه وحفيفهم حوله مجاز عن حفظهم وتدبيرهم له ، أو كناية عن قربهم من ذي العرش ومكانتهم عنده وتوسطهم في نفاذ أمره . { يُسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ } يذكرون الله بمجامع الثناء من صفات الجلال والإِكرام ، وجعل التسبيح أصلاً والحمد حالاً لأن الحمد مقتضى حالهم دون التسبيح أصلاً . { وَيُؤْمِنُونَ بِهِ } أخبر عنهم بالإِيمان إظهاراً لفضله وتعظيماً لأهله ومساق الآية لذلك كما صرح به بقوله : { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ } وإشعاراً بأن حملة العرش وسكان الفرش في معرفته سواء رداً على المجسمة واستغفارهم شفاعتهم وحملهم على التوبة وإلهامهم ما يوجب المغفرة ، وفيه تنبيه على أن المشاركة في الإِيمان توجب النصح والشفقة وإن تخالفت الأجناس لأنها أقوى المناسبات كما قال تعالى : { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } [ الحجرات : 10 ] { رَبَّنَا } أي يقولون { رَبَّنَا } وهو بيان لـ { يَسْتَغْفِرُونَ } أو حال . { وَسِعْتَ كُـلَّ شَىْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً } أي وسعت رحمتك وعلمك فأزيل عن أصله للإغراق في وصفه بالرحمة والعلم والمبالغة في عمومها ، وتقديم الرحمة لأنها المقصودة بالذات ها هنا . { فَٱغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ } للذين علمت منهم التوبة واتباع سبيل الحق . { وَقِهِمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ } واحفظهم عنه وهو تصريح بعد إشعار للتأكيد والدلالة على شدة العذاب . { رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّـٰتِ عَدْنٍ ٱلَّتِى وَعَدْتَّهُمْ } وعدتهم إياها . { وَمَنْ صَلَحَ مِنْ ءَابَائِهِمْ وَأَزْوٰجِهِمْ وَذُرّيَّاتِهِمْ } عطف على هم الأول أي أدخلهم ومعهم هؤلاء ليتم سرورهم ، أو الثاني لبيان عموم الوعد ، وقرىء « جنة عدن » و { صَلُحَ } بالضم و « ذريتهم » بالتوحيد . { إِنَّكَ أَنتَ ٱلعَزِيزُ } الذي لا يمتنع عليه مقدور . { ٱلْحَكِيمُ } الذي لا يفعل إلا ما تقتضيه حكمته ومن ذلك الوفاء بالوعد . { وَقِهِمُ ٱلسَّيّئَـٰتِ } العقوبات أو جزاء السيئات ، وهو تعميم بعد تخصيص ، أو تخصيص بمن { صلح } أو المعاصي في الدنيا لقوله : { وَمَن تَقِ ٱلسَّيّئَـٰتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ } أي ومن تقها في الدنيا فقد رحمته في الآخرة كأنهم طلبوا السبب بعد ما سألوا المسبب . { وَذٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } يعني الرحمة أو الوقاية أو مجموعهما .