Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 40, Ayat: 10-19)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنَادَوْنَ } يوم القيامة فيقال لهم : { لَمَقْتُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُـمْ } أي لمقت الله إياكم أكبر من مقتكم أنفسكم الأمارة بالسوء . { إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى ٱلإِيمَـٰنِ فَتَكْفُرُونَ } ظرف لفعل دل عليه المقت الأول لا له لأنه أخبر عنه ، ولا للثاني لأن مقتهم أنفسهم يوم القيامة حين عاينوا جزاء أعمالهم الخبيثة إلا أن يؤول بنحو : بالصَّيْفِ ضيّعْتِ اللَّبَن . أو تعليل للحكم وزمان المقتين واحد . { قَالُواْ رَبَّنَا أَمَتَّنَا ٱثْنَتَيْنِ } إماتتين بأن خلقتنا أمواتاً ثم صيرتنا أمواتاً عند انقضاء آجالنا ، فإن الإماتة جعل الشيء عادم الحياة ابتداء أو بتصيير كالتصغير والتكبير ، ولذلك قيل سبحان من صغر البعوض وكبر الفيل ، وإن خص بالتصيير فاختيار الفاعل المختار أحد مفعوليه تصيير وصرف له عن الآخر . { وَأَحْيَيْتَنَا ٱثْنَتَيْنِ } الإحياءة الأولى وإحياءة البعث . وقيل الإِماتة الأولى عند انخرام الأجل والثانية في القبر بعد الإِحياء للسؤال والإِحياءان ما في القبر والبعث ، إذ المقصود اعترافهم بعد المعاينة بما غفلوا عنه ولم يكترثوا به ولذلك تسبب بقوله : { فَٱعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا } فإن اقترافهم لها من اغترارهم بالدنيا وإنكارهم البعث . { فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ } نوع خروج من النار . { مّن سَبِيلٍ } طريق فنسلكه وذلك إنما يقولونه من فرط قنوطهم تعللاً وتحيراً ولذلك أجيبوا بقوله : { ذٰلِكُمْ } الذي أنتم فيه . { بِأَنَّهُ } بسبب أنه . { إِذَا دُعِىَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ } متحداً أو توحد وحده فحذف الفعل وأقيم مقامه في الحالية . { كَفَرْتُمْ } بالتوحيد . { وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُواْ } بالإِشراك . { فَٱلْحُكْمُ للَّهِ } المستحق للعبادة حيث حكم عليكم بالعذاب السرمد الدائم . { ٱلْعَلِىُّ } عن أن يشرك به ويسوى بغيره . { ٱلْكَبِيرُ } حيث حكم على من أشرك وسوى به بعض مخلوقاته في استحقاق العبادة بالعذاب السرمد . { وَهُوَ ٱلَّذِى يُرِيكُمْ ءايَـٰتِهِ } الدالة على التوحيد وسائر ما يجب أن يعلم تكميلاً لنفوسكم . { وَيُنَزّلُ لَكُم مّنَ ٱلسَّمَاءِ رِزْقاً } أسباب رزق كالمطر مراعاة لمعاشكم . { وَمَا يَتَذَكَّرُ } بالآيات التي هي كالمركوزة في العقول لظهورها المغفول عنها للانهماك في التقليد واتباع الهوى . { إِلاَّ مَن يُنِيبُ } يرجع عن الإِنكار بالإِقبال عليها والتفكر فيها ، فإن الجازم بشيء لا ينظر فيما ينافيه . { فَٱدْعُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدّينَ } من الشرك . { وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَـٰفِرُونَ } إخلاصكم وشق عليهم . { رَفِيعُ ٱلدَّرَجَـٰتِ ذُو ٱلْعَرْشِ } خبران آخران للدلالة على علو صمديته من حيث المعقول والمحسوس الدال على تفرده في الألوهية ، فإن من ارتفعت درجات كماله بحيث لا يظهر دونها كمال وكان العرش الذي هو أصل العالم الجسماني في قبضة قدرته لا يصح أن يشرك به ، وقيل الدرجات مراتب المخلوقات أو مصاعد الملائكة إلى العرش أو السموات أو درجات الثواب . وقرىء « رَفِيعَ » بالنصب على المدح . { يُلْقِى ٱلرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ } خبر رابع للدلالة على أن الروحانيات أيضاً مسخرات لأمره بإظهار آثارها وهو الوحي ، وتمهيد للنبوة بعد تقرير التوحيد والروح الوحي ومن أمره بيانه لأنه أمر بالخير أو مبدؤه والآمر هو الملك المبلغ . { عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ } يختاره للنبوة ، وفيه دليل على أنها عطائية . { لّيُنذِرَ } غاية الإلقاء والمستكن فيه لله ، أو لمن أو للروح واللام مع القرب تؤيد الثاني . { يَوْمَ ٱلتَّلاَقِ } يوم القيامة ، فإن فيه تتلاقى الأرواح والأجساد وأهل السماء والأرض أو المعبودون والعباد أو الأعمال والعمال . { يَوْمَ هُم بَـٰرِزُونَ } خارجون من قبورهم أو ظاهرون لا يسترهم شيء أو ظاهرة نفوسهم لا تحجبهم غواشي الأبدان ، أو أعمالهم وسرائرهم . { لاَ يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنْهُمْ شَىْءٌ } من أعيانهم وأعمالهم وأحوالهم ، وهو تقرير لقوله { هُم بَـٰرِزُونَ } وإزاحة لنحو ما يتوهم في الدنيا . { لّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوٰحِدِ ٱلْقَهَّارِ } حكاية لما يسأل عنه في ذلك اليوم ولما يجاب به ، أو لما دل عليه ظاهر الحال فيه من زوال الأسباب وارتفاع الوسائط ، وأما حقيقة الحال فناطقة بذلك دائماً . { ٱلْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَـسَبَتْ } كأنه نتيجة لما سبق ، وتحقيقه أن النفوس تكتسب بالعقائد والأعمال هيئات توجب لذتها وأملها لكنها لا تشعر بها في الدنيا لعوائق تشغلها ، فإذا قامت قيامتها زالت العوائق وأدركت لذاتها وألمها . { لاَ ظُلْمَ ٱلْيَوْمَ } ينقص الثواب وزيادة العقاب . { إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } إذ لا يشغله شأن عن شأن فيصل إليهم ما يستحقونه سريعاً . { وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلآزِفَةِ } أي القيامة سميت بها لأزوفها أي قربها ، أو الخطة الآزفة وهي مشارفتهم النار وقيل الموت . { إِذِ ٱلْقُلُوبُ لَدَى ٱلْحَنَاجِرِ } فإنها ترتفع عن أماكنها فتلصق بحلوقهم فلا تعود فيتروحوا ولا تخرج فيستريحوا . { كَـٰظِمِينَ } على الغم حال من أصحاب القلوب على المعنى لأنه على الإِضافة ، أو منها أو من ضميرها في لدى وجمعه كذلك لأن الكظم من أفعال العقلاء كقوله : { فَظَلَّتْ أَعْنَـٰقُهُمْ لَهَا خَـٰضِعِينَ } [ الشعراء : 4 ] أو من مفعول { أَنذَرَهُمْ } على أنه حال مقدرة . { مَا لِلظَّالِمينَ مِنْ حَمِيمٍ } قريب مشفق . { وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ } ولا شفيع مشفع ، والضمائر إن كانت للكفار وهو الظاهر كان وضع الظالمين موضع ضميرهم للدلالة على اختصاص ذلك بهم وأنه لظلمهم .