Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 41, Ayat: 1-11)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
مكية وآيها ثلاث أو أربع وخمسون آية بسم الله الرحمن الرحيم { حَـمَ } إن جعلته مبتدأ فخبره . { تَنزِيلٌ مّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } وإن جعلته تعديداً للحروف فـ { تَنزِيلَ } خبر محذوف أو مبتدأ لتخصصه بالصفة وخبره : { كِتَابٌ } وهو على الأولين بدل منه أو خبر آخر أو خبر محذوف ، ولعل افتتاح هذه السور السبع بـ { حـم } وتسميتها به لكونها مصدرة ببيان الكتاب متشاكلة في النظم والمعنى ، وإضافة الـ { تَنزِيلَ } إلى { ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } للدلالة على أنه مناط المصالح الدينية والدنيوية . { فُصّلَتْ ءايَـٰتُهُ } ميزت باعتبار اللفظ والمعنى . وقرىء { فُصّلَتْ } أي فصل بعضها من بعض باختلاف الفواصل والمعاني ، أو فصلت بين الحق والباطل . { قُرْءاناً عَرَبِيّاً } نصب على المدح أو الحال من { فُصّلَتْ } ، وفيه امتنان بسهولة قراءاته وفهمه . { لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } أي لقوم يعلمون العربية أو لأهل العلم والنظر ، وهو صفة أخرى لـ { قُرْءاناً } أو صلة لـ { تَنزِيلَ } ، أو لـ { فُصّلَتْ } ، والأول أولى لوقوعه بين الصفات . { بَشِيراً وَنَذِيراً } للعاملين به والمخالفين له ، وقرئا بالرفع على الصفة للـ { كِتَابٌ } أو الخبر لمحذوف . { فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ } عن تدبره وقبوله . { فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } سماع تأمل وطاعة . { وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِى أَكِنَّةٍ } أغطية جمع كنان . { مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِى ءَاذانِنَا وَقْرٌ } صمم ، وأصله الثقل ، وقرىء بالكسر . { وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ } يمنعنا عن التواصل ، ومن للدلالة على أن الحجاب مبتدأ منهم ومنه بحيث استوعب المسافة المتوسطة ولم يبق فراغ . وهذه تمثيلات لنبو قلوبهم عن إدراك ما يدعوهم إليه واعتقادهم ومج أسماعهم له ، وامتناع مواصلتهم وموافقتهم للرسول صلى الله عليه وسلم . { فَٱعْمَلْ } على دينك أو في إبطال أمرنا . { إِنَّنَا عَـٰمِلُونَ } على ديننا أو في إبطال أمرك . { قُلْ إِنَّمَا أَنَاْ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَىَّ أَنَّمَا إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } لست ملكاً ولا جنياً لا يمكنكم التلقي منه ، ولا أدعوكم إلى ما تنبو عنه العقول والاسماع ، وإنما أدعوكم إلى التوحيد والاستقامة في العمل ، وقد يدل عليهما دلائل العقل وشواهد النقل . { فَٱسْتَقِيمُواْ إِلَيْهِ } فاستقيموا في أفعالكم متوجهين إليه ، أو فاستووا إليه بالتوحيد والإِخلاص في العمل . { وَٱسْتَغْفِرُوهُ } مما أنتم عليه من سوء العقيدة والعمل ، ثم هددهم على ذلك فقال : { وَوَيْلٌ لّلْمُشْرِكِينَ } من فرط جهالتهم واستخفافهم بالله . { ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ } لبخلهم وعدم اشفاقهم على الخلق ، وذلك من أعظم الرذائل ، وفيه دليل على أن الكفار مخاطبون بالفروع . وقيل معناه لا يفعلون ما يزكي أنفسهم وهو الإِيمان والطاعة . { وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَـٰفِرُونَ } حال مشعرة بأن امتناعهم عن الزكاة لاستغراقهم في طلب الدنيا وإنكارهم للآخرة . { إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَهُمْ أَجْرٌ } عظيم . { غَيْرُ مَمْنُونٍ } لا يمن به عليهم من المن وأصله الثقل ، أو لا يقطع من مننت الحبل إذا قطعته . وقيل نزلت في المرضى والهرمى إذا عجزوا عن الطاعة كتب لهم الأجر كأصلح ما كانوا يعملون . { قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِى خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِى يَوْمَيْنِ } في مقدار يومين ، أو نوبتين وخلق في كل نوبة ما خلق في أسرع ما يكون . ولعل المراد من { ٱلأَرْضِ } ما في جهة السفل من الأجرام البسيطة ومن خلقها { فِى يَوْمَيْنِ } أنه خلق لها أصلاً مشتركاً ثم خلق لها صوراً بها صارت أنواعاً ، وكفرهم به إلحادهم في ذاته وصفاته . { وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً } ولا يصح أن يكون له ند . { ذٰلِكَ } الذي { خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِى يَوْمَيْنِ } . { رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } خالق جميع ما وجد من الممكنات ومربيها . { وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ } استئناف غير معطوف على { خَلقَ } للفصل بما هو خارج عن الصلة . { مّن فَوْقِهَا } مرتفعة عليها ليظهر للنظار ما فيها من وجوه الاستبصار وتكون منافعها معرضة للطلاب . { وَبَـٰرَكَ فِيهَا } وأكثر خيرها بأن خلق فيها أنواع النبات والحيوان . { وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوٰتَهَا } أقوات أهلها بأن عين لكل نوع ما يصلحه ويعيش به ، أو أقواتاً تنشأ منها بأن خص حدوث كل قوت بقطر من أقطارها ، وقرىء « وقسم فِيهَا أَقْوٰتَهَا » . { فِى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ } في تتمة أربعة أيام كقولك : سرت من البصرة إلى بغداد في عشرة أيام ، وإلى الكوفة في خمسة عشر يوماً . ولعله قال ذلك ولم يقل في يومين للإِشعار باتصالهما باليومين الأولين . والتصريح على الفذلكة . { سَوَاءٌ } أي استوت سواء بمعنى استواء ، والجملة صفة أيام ويدل عليه قراءة يعقوب بالجر . وقيل حال من الضمير في أقواتها أو في فيها ، وقرىء بالرفع على هي سواء . { لّلسَّائِلِينَ } متعلق بمحذوف تقديره هذا الحصر للسائلين عن مدة خلق الأرض وما فيها ، أو بقدر أي قدر فيها الأقوات للطالبين لها . { ثُمَّ ٱسْتَوَى إِلَى ٱلسَّمَاء } قصد نحوها من قولهم استوى إلى مكان كذا إذا توجه إليه توجهاً لا يلوي على غيره ، والظاهر أن ثم لتفاوت ما بين الخلقتين لا للتراخي في المدة لقوله : { وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَـٰهَا } [ النازعات : 30 ] ودحوها متقدم على خلق الجبال من فوقها . { وَهِىَ دُخَانٌ } أمر ظلماني ، ولعله أراد به مادتها أو الأجزاء المتصغرة التي كتب منها { فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ٱئْتِيَا } بما خلقت فيكما من التأثير والتأثر وأبرزا ما أودعتكما من الأوضاع المختلفة والكائنات المتنوعة . أو { ٱئْتِيَا } في الوجود على أن الخلق السابق بمعنى التقدير أو الترتيب للرتبة ، أو الإِخبار أو إتيان السماء حدوثها وإتيان الأرض أن تصير مدحوة ، وقد عرفت ما فيه أو لتأت كل منكما الأخرى في حدوث ما أريد توليده منكما ويؤيده قراءة « آتيا » في المؤاتاة أي لتوافق كل واحدة أختها فيما أردت منكما . { طَوْعاً أَوْ كَرْهاً } شئتما ذلك أو أبيتما والمراد إظهار كمال قدرته ووجوب وقوع مراده لا إثبات الطوع والكره لهما ، وهما مصدران وقعا موقع الحال . { قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ } منقادين بالذات ، والأظهر أن المراد تصوير تأثير قدرته فيهما وتأثرهما بالذات عنها ، وتمثيلهما بأمر المطاع وإجابة المطيع الطائع كقوله : { كُنْ فَيَكُونُ } [ البقرة : 117 ] وما قيل من أنه تعالى خاطبهما وأقدرهما على الجواب إنما يتصور على الوجه الأول والأخير ، وإنما قال طائعين على المعنى باعتبار كونهما مخاطبتين كقوله : { سَـٰجِدِينَ } [ الأعراف : 120 ]