Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 43, Ayat: 1-14)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
مكية وقيل إلا قوله : واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا وآيها تسع وثمانون آية بسم الله الرحمن الرحيم { حـم } { وَٱلْكِتَـٰبِ ٱلْمُبِينِ } { إِنَّا جَعَلْنَـٰهُ قُرْءاناً عَرَبِيّاً } أقسم بالقرآن على أنه جعله قرآناً عربياً ، وهو من البدائع لتناسب القسم والمقسم عليه كقول أبي تمام : @ وَثَنَايَاكَ أَنَّهَا إِغْرِيضُ @@ ولعل إقسام الله بالأشياء استشهاد بما فيها من الدلالة على المقسم عليه ، وبالقرآن من حيث أنه معجز مبين لطرق الهدى وما يحتاج إليه في الديانة ، أو بين للعرب ما يدل على أنه تعالى صيره كذلك { لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } لكي تفهموا معانيه . { وَإِنَّهُ } عطف على انا ، وقرأ حمزة والكسائي بالكسر على الاستئناف . { فِى أُمّ ٱلْكِتَـٰبِ } في اللوح المحفوظ فإنه أصل الكتب السماوية ، وقرىء أم الكتاب بالكسر . { لَدَيْنَا } محفوظاً عندنا عن التغيير . { لَّعَـليٌّ } رفيع الشأن في الكتب لكونه معجزاً من بينها . { حَكِيمٌ } ذو حكمة بالغة ، أو محكم لا ينسخه غيره . وهما خبران لأن { وَفِى أُمِّ ٱلْكِتَـٰبِ } متعلق بـ { لَّعَـليٌّ } واللام لا تمنعه ، أو حال منه و { لَدَيْنَا } بدل منه أو حال من { أُمِّ ٱلْكِتَـٰبِ } . { أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ ٱلذّكْرَ صَفْحاً } أفنذوده ونبعده عنكم مجاز من قولهم : ضرب الغرائب عن الحوض ، قال طرفة : @ اضْرِبْ عَنْكَ الهُمُومَ طَارِقَهَا ضَرْبكَ بِالسَّيْفِ قَوْنَس الفَرَسِ @@ والفاء للعطف على محذوف أي انهملكم فنضرب { عَنكُمُ ٱلذّكْرَ } ، و { صَفْحاً } مصدر من غير لفظه فإن تنحية الذكر عنهم إعراض أو مفعول له أو حال بمعنى صافحين ، وأصله أن تولي الشيء صفحة عنقك . وقيل إنه بمعنى الجانب فيكون ظرفاً ويؤيده أنه قرىء « صَُفْحاً » بالضم ، وحينئذ يحتمل أن يكون تخفيف صفح جمع صفوح بمعنى صافحين ، والمراد إنكار أن يكون الأمر على خلاف ما ذكر من إنزال الكتاب على لغتهم ليفهموه . { أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ } أي لأن كنتم ، وهو في الحقيقة علة مقتضية لترك الإِعراض عنهم ، وقرأ نافع وحمزة والكسائي { إن } بالكسر على أن الجملة شرطية مخرجة للمحقق مخرج المشكوك استجهالاً لهم ، وما قبلها دليل الجزاء . { وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيٍّ فِى ٱلأَوَّلِينَ } { وَمَا يَأْتِيهِم مّنْ نَّبِيٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ } تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن استهزاء قومه . { فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشاً } أي من القوم المسرفين لأنه صرف الخطاب عنهم إلى الرسول مخبراً عنهم . { وَمَضَىٰ مَثَلُ ٱلأَوَّلِينَ } وسلف في القرآن قصتهم العجيبة ، وفيه وعد للرسول ووعيد لهم بمثل ما جرى على الأولين . { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ } لعله لازم مقولهم أو ما دل عليه إجمالاً أقيم مقامه تقريراً لإِلزام الحجة عليهم ، فكأنهم قالوا « الله » كما حكي عنهم في مواضع أخر وهو الذي من صفته ما سرد من الصفات ، ويجوز أن يكون مقولهم وما بعده استئناف { ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً } فتستقرون فيها وقرىء غير الكوفيين « مهاداً » بالإلف . { وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً } تسلكونها . { لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } لكي تهتدوا إلى مقاصدكم ، أو إلى حكمة الصانع بالنظر في ذلك . { وَٱلَّذِى نَزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَاءٍ مَاءً بِقَدَرٍ } بمقدار ينفع ولا يضر . { فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً } مال عنه الماء . وتذكيره لأن البلدة بمعنى البلد والمكان . { كَذٰلِكَ } مثل ذلك الإِنشار . { تُخْرَجُونَ } تنشرون من قبوركم ، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي { تخْرَجُونَ } بفتح التاء وضم الراء . { وَٱلَّذِى خَلَقَ ٱلأَزْوٰجَ كُلَّهَا } أصناف المخلوقات . { وَجَعَلَ لَكُمْ مّنَ ٱلْفُلْكِ وَٱلأَنْعَـٰمِ مَا تَرْكَبُونَ } ما تركبونه على تغليب المتعدي بنفسه على المتعدي بغيره إذ يقال : ركبت الدابة وركبت في السفينة ، أو المخلوق للركوب على المصنوع له أو الغالب على النادر ولذلك قال : { لِتَسْتَوُواْ عَلَىٰ ظُهُورِهِ } أي ظهور ما تركبون وجمعه للمعنى . { ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبّكُمْ إِذَا ٱسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ } تذكروها بقلوبكم معترفين بها حامدين عليها . { وَتَقُولُواْ سُبْحَـٰنَ ٱلَّذِى سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } مطيقين من أقرن الشيء إذا أطاقه ، وأصله وجد قرينته إذ الصعب لا يكون قرينة الضعيف . وقرىء بالتشديد والمعنى واحد . وعنه عليه الصلاة والسلام أنه كان إذا وضع رجله في الركاب قال : " بسم الله " فإذا استوى على الدابة قال : " الحمد لله على كل حال " { سُبْحَـٰنَ ٱلَّذِى سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا } إلى قوله : { وَإِنَّا إِلَىٰ رَبّنَا لَمُنقَلِبُونَ } أي راجعون ، واتصاله بذلك لأن الركوب للتنقل والنقلة العظمى هو الانقلاب إلى الله تعالى ، أو لأنه مخطر فينبغي للراكب أن لا يغفل عنه ويستعد للقاء الله تعالى .