Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 48, Ayat: 11-19)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ سَيَقُولُ لَكَ ٱلْمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ } هم أسلم وجهينة ومزينة وغفار استنفرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية فتخلفوا واعتلوا بالشغل بأموالهم وأهاليهم ، وإنما خلفهم الخذلان وضعف العقيدة والخوف من مقاتلة قريش إن صدوهم . { شَغَلَتْنَا أَمْوٰلُنَا وَأَهْلُونَا } إذ لم يكن لنا من يقوم بأشغالهم ، وقرىء بالتشديد للتكثير . { فَٱسْتَغْفِرْ لَنَا } من الله على التخلف . { يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ } تكذيب لهم في الاعتذار والاستغفار . { قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } فمن يمنعكم من مشيئته وقضائه . { إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً } ما يضركم كقتل أو هزيمة أو خلل في المال والأهل عقوبة على التخلف ، وقرأ حمزة والكسائي بالضم . { أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً } ما يضاد ذلك ، وهو تعريض بالرد . { بَلْ كَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } فيعلم تخلفكم وقصدكم فيه . { بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ ٱلرَّسُولُ وَٱلْمُؤْمِنُونَ إِلَىٰ أَهْلِيهِمْ أَبَداً } لظنكم أن المشركين يستأصلونهم ، وأهلون جمع أهل وقد يجمع على أهلات كأرضات على أن أصله أهلة وأما أهال فاسم جمع كليال . { وَزُيّنَ ذَلِكَ فِى قُلُوبِكُمْ } فتمكن فيها ، وقرىء على البناء للفاعل وهو الله أو الشيطان . { وَظَنَنتُمْ ظَنَّ ٱلسَّوْء } الظن المذكور ، والمراد التسجيل عليه بـ { ٱلسَّوْء } أو هو وسائر ما يظنون بالله ورسوله من الأمور الزائغة . { وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً } هالكين عند الله لفساد عقيدتكم وسوء نيتكم . { وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَـٰفِرِينَ سَعِيراً } وضع الكافرين موضع الضمير إيذاناً بأن من لم يجمع بين الإِيمان بالله ورسوله فهو كافر وأنه مستوجب للسعير بكفره ، وتنكير سعيراً للتهويل أو لأنها نار مخصوصة . { وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } يدبره كيف يشاء . { يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذّبُ مَن يَشَاء } إذ لا وجوب عليه . { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } فإن الغفران والرحمة من ذاته والتعذيب داخل تحت قضائه بالعرض ، ولذلك جاء في الحديث الإلهي " سبقت رحمتي غضبي " { سَيَقُولُ ٱلْمُخَلَّفُونَ } يعني المذكورين . { إِذَا ٱنطَلَقْتُمْ إِلَىٰ مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا } يعني مغانم خيبر فإنه عليه الصلاة والسلام رجع من الحديبية في ذي الحجة من سنة ست وأقام بالمدينة بقيتها وأوائل المحرم ، ثم غزا خيبر بمن شهد الحديبية ففتحها وغنم أموالاً كثيرة فخصها بهم . { ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدّلُواْ كَلَـٰمَ ٱللَّهِ } أن يغيروه وهو وعده لأهل الحديبية أن يعوضهم من مغانم مكة مغانم خيبر ، وقيل قوله تعالى : { لَّن تَخْرُجُواْ مَعِىَ أَبَدًا } [ التوبة : 83 ] والظاهر أنه في تبوك . والكلام اسم للتكليم غلب في الجملة المفيدة وقرأ حمزة والكسائي « كلم الله » وهو جمع كلمة . { قُل لَّن تَتَّبِعُونَا } نفي في معنى النهي . { كَذَلِكُمْ قَالَ ٱللَّهُ مِن قَبْلُ } . من قبل تهيئهم للخروج إلى خيبر . { فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا } أن يشارككم في الغنائم ، وقرىء بالكسر . { بَلْ كَانُواْ لاَ يَفْقَهُونَ } لا يفهمون . { إِلاَّ قَلِيلاً } إلا فهما قليلاً وهو فطنتهم لأمور الدنيا ، ومعنى الإِضراب الأول رد منهم أن يكون حكم الله أن لا يتبعوهم وإثبات للحسد ، والثاني رد من الله لذلك وإثبات لجهلهم بأمور الدين . { قُل لّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ } كرر ذكرهم بهذا الاسم مبالغة في الذم وإشعاراً بشناعة التخلف . { سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ قَوْمٍ أُوْلِى بَأْسٍ شَدِيدٍ } بني حنيفة أو غيرهم ممن ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو المشركين فإنه قال : { تُقَـٰتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ } أي يكون أحد الأمرين إما المقاتلة أو الإِسلام لا غير كما دل عليه قراءة « أو يسلموا » ، ومن عداهم يقاتل حتى يسلم أو يعطي الجزية . وهو يدل على إمامة أبي بكر رضي الله عنه إذا لم تتفق هذه الدعوة لغيره إلا إذا صح أنهم ثقيف وهوازن فإن ذلك كان في عهد النبوة . وقيل فارس والروم ومعنى { يُسْلِمُونَ } ينقادون ليتناول تقبلهم الجزية . { فَإِن تُطِيعُواْ يُؤْتِكُمُ ٱللَّهُ أَجْراً حَسَناً } هو الغنيمة في الدنيا والجنة في الآخرة . { وَإِن تَتَوَلَّوْاْ كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مّن قَبْلُ } عن الحديبية . { يُعَذّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً } لتضاعف جرمكم . { لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ } لما أوعد على التخلف نفي الحرج عن هؤلاء المعذورين استثناء لهم عن الوعيد . { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـرُ } فصل الوعد وأجمل الوعيد مبالغة في الوعد لسبق رحمته ، ثم جبر ذلك بالتكرير على سبيل التعميم فقال : { وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً } إذ الترهيب ها هنا أنفع من الترغيب ، وقرأ نافع وابن عامر « ندخله » و « نُعَذِّبُهُ » بالنون . { لَّقَدْ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ } روي : أنه صلى الله عليه وسلم لما نزل الحديبية بعث جواس بن أمية الخزاعي إلى أهل مكة ، فهموا به فمنعه الأحابيش فرجع ، فبعث عثمان بن عفان رضي الله عنه فحبسوه فأرجف بقتله ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه وكانوا ألفاً وثلثمائة أو وأربعمائة أو وخمسمائة ، وبايعهم على أن يقاتلوا قريشاً ولا يفروا عنهم وكان جالساً تحت سمرة أو سدرة . { فَعَلِمَ مَا فِى قُلُوبِهِمْ } من الإِخلاص . { فَأنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ } الطمأنينة وسكون النفس بالتشجيع أو الصلح . { وَأَثَـٰبَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً } فتح خيبر غب انصرافهم ، وقيل مكة أو هجر . { وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا } يعني مغانم خيبر . { وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً } غالباً مراعياً مقتضى الحكمة .