Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 72-80)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ لَقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ ٱلْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرٰءيلَ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ رَبّي وَرَبَّكُمْ } أي إني عبد مربوب مثلكم فاعبدوا خالقي وخالقكم . { إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ } أي في عبادته أو فيما يختص به من الصفات والأفعال . { فَقَدْ حَرَّمَ ٱللَّهُ عَلَيهِ ٱلْجَنَّةَ } يمنع من دخولها كما يمنع المحرم عليه من المحرم فإنها دار الموحدين . { وَمَأْوَاهُ ٱلنَّارُ } فإنها المعدة للمشركين . { وَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ } أي وما لهم أحد ينصرهم من النار ، فوضع الظاهر موضع المضمر تسجيلاً على أنهم ظلموا بالاشراك وعدلوا عن طريق الحق ، وهو يحتمل أن يكون من تمام كلام عيسى عليه الصلاة والسلام وأن يكون من كلام الله تعالى نبه به على أنهم قالوا ذلك تعظيماً لعيسى صلى الله عليه وسلم ، وتقرباً إليه وهو معاديهم بذلك ومخاصمهم فيه فما ظنك بغيره . { لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ ٱللَّهَ ثَـٰلِثُ ثَلَـٰثَةٍ } أي أحد ثلاثة ، وهو حكاية عما قاله النسطورية والملكانية منهم القائلون بالأقانيم الثلاثة وما سبق قول اليعقوبية القائلين بالاتحاد . { وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ إِلَـٰهٌ وٰحِدٌ } وما في الوجود ذات واجب مستحق للعبادة من حيث إنه مبدىء جميع الموجودات إلا إله واحد ، موصوف بالوحدانية متعال عن قبول الشركة ومن مزيدة للاستغراق . { وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ } ولم يوحدوا . { لَيَمَسَّنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي ليمسن الذين بقوا منهم على الكفر ، أو ليمسن الذين كفروا من النصارى ، وضعه موضع ليمسنهم تكريراً للشهادة على كفرهم وتنبيهاً على أن العذاب على من دام على الكفر ولم ينقلع عنه فلذلك عقبه بقوله : { أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَىٰ ٱللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ } أي أفلا يتوبون بالانتهاء عن تلك العقائد والأقوال الزائغة ويستغفرونه بالتوحيد والتنزيه عن الاتحاد والحلول بعد هذا التقرير والتهديد . { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } يغفر لهم ويمنحهم من فضله إن تابوا . وفي هذا الاستفهام تعجيب من إصرارهم . { مَّا ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ } أي ما هو إلا رسول كالرسل قبله خصه الله سبحانه وتعالى بالآيات كما خصهم بها ، فإن إحياء الموتى على يده فقد أحيا العصا وجعلها حية تسعى على يد موسى عليه السلام وهو أعجب ، وإن خلقه من غير أب فقد خلق آدم من غير أب وأم أغرب . { وَأُمُّهُ صِدّيقَةٌ } كسائر النساء اللاتي يلازمن الصدق ، أو يصدقن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام . { كَانَا يَأْكُلاَنِ ٱلطَّعَامَ } ويفتقران إليه افتقار الحيوانات ، بين أولاً أقصى ما لهما من الكمال ودل على أنه لا يوجب لهما ألوهية لأن كثيراً من الناس يشاركهما في مثله ، ثم نبه على نقصهما وذكر ما ينافي الربوبية ويقتضي أن يكونا من عداد المركبات الكائنة الفاسدة ، ثم عجب لمن يدعي الربوبية لهما مع أمثال هذه الأدلة الظاهرة فقال : { ٱنْظُرْ كَيْفَ نُبَيّنُ لَهُمُ ٱلآيَـٰتِ ثُمَّ ٱنْظُرْ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } كيف يصرفون عن استماع الحق وتأمله وثم لتفاوت ما بين العجبين أي إن بياننا للآيات عجب وإعراضهم عنها أعجب . { قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَالا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً } يعني عيسى عليه الصلاة والسلام ، وهو وإن ملك ذلك بتمليك الله سبحانه وتعالى إياه لا يملكه من ذاته ولا يملك مثل ما يضر الله تعالى به من البلايا والمصائب ، وما ينفع به من الصحة والسعة وإنما قال ما نظراً إلى ما هو عليه في ذاته توطئة لنفي القدرة عنه رأساً ، وتنبيهاً على أنه من هذا الجنس ومن كان له حقيقة تقبل المجانسة والمشاركة فبمعزل عن الألوهية ، وإنما قدم الضر لأن التحرز عنه أهم من تحري النفع . { وَٱللَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } بالأقوال والعقائد فيجازي عليها إن خيراً فخير وإن شراً فشر . { قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ ٱلْحَقّ } أي غلوا باطلاً فترفعوا عيسى عليه الصلاة والسلام إلى أن تدعوا له الألوهية ، أو تضعوه فتزعموا أنه لغير رشدة . وقيل الخطاب للنصارى خاصة . { وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ } يعني أسلافهم وأئمتهم الذين قد ضلوا قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم في شريعتهم . { وَأَضَلُّواْ كَثِيراً } ممن شايعهم على بدعهم وضلالهم . { وَضَلُّواْ عَن سَوَاء ٱلسَّبِيلِ } عن قصد السبيل الذي هو الإسلام بعد مبعثه صلى الله عليه وسلم لما كذبوه وبغوا عليه ، وقيل الأول إشارة إلى ضلالهم عن مقتضى العقل والثاني إشارة إلى ضلالهم عما جاء به الشرع . { لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرٰءِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ } أي لعنهم الله في الزبور والإِنجيل على لسانهما . وقيل إن أهل أيلة لما اعتدوا في السبت لعنهم الله تعالى على لسان داود فمسخهم الله تعالى قردة ، وأصحاب المائدة لما كفروا دعا عليهم عيسى عليه السلام ولعنهم فأصبحوا خنازير وكانوا خمسة آلاف رجل . { ذٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ } أي ذلك اللعن الشنيع المقتضي للمسخ بسبب عصيانهم واعتدائهم ما حرم عليهم . { كَانُواْ لاَ يَتَنَـٰهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ } أي لا ينهى بعضهم بعضاً عن معاودة منكر فعلوه ، أو عن مثل منكر فعلوه ، أو عن منكر أرادوا فعله وتهيؤا له ، أو لا ينتهون عنه من قولهم تناهى عن الأمر وانتهى عنه إذا امتنع . { لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } تعجيب من سوء فعلهم مؤكد بالقسم . { تَرَىٰ كَثِيراً مّنْهُمْ } من أهل الكتاب . { يَتَوَلَّوْنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } يوالون المشركين بغضاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين . { لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ } أي لبئس شيئاً قدموه ليزدادوا عليه يوم القيامة { أَن سَخِطَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي ٱلْعَذَابِ هُمْ خَـٰلِدُونَ } هو المخصوص بالذم ، والمعنى موجب سخط الله والخلود في العذاب ، أو علة الذم والمخصوص محذوف أي لبئس شيئاً ذلك لأنه كسبهم السخط والخلود .