Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 57, Ayat: 11-19)

Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ مَّن ذَا ٱلَّذِى يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا } أي من الذي ينفق ماله في سبيله رجاء أن يعوضه ، فإنه كمن يقرضه وحسن الإِنفاق بالإِخلاص فيه وتحري أكرم المال وأفضل الجهات له . { فَيُضَاعِفَهُ لَهُ } أي يعطي أجره أضعافاً . { وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ } أي وذلك الأجر المضموم إليه الأضعاف كريم في نفسه ينبغي أن يتوخى وإن لم يضاعف ، فكيف وقد يضاعف أضعافاً . وقرأ عاصم « فَيُضَاعِفَهُ » بالنصب على جواب الاستفهام باعتبار المعنى فكأنه قال : أيقرض الله أحد فيضاعفه له . وقرأ ابن كثير « فيضعفه » مرفوعاً وقرأ ابن عامر ويعقوب « فيضعفه » منصوباً . { يَوْمَ تَرَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } ظرف لقوله { وَلَهُ } أو { فَيُضَاعِفَهُ } أو مقدر باذكر { يَسْعَىٰ نُورُهُم } ما يوجب نجاتهم وهدايتهم إلى الجنة . { بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَـٰنِهِم } لأن السعداء يؤتون صحائف أعمالهم من هاتين الجهتين . { بُشْرَاكُمُ ٱلْيَوْمَ جَنَّـٰتٌ } أي يقول لهم من يتلقاهم من الملائكة { بُشْرَاكُمُ } أي المبشر به جنات ، أو { بُشْرَاكُمُ } دخول جنات . { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَا ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } الإِشارة إلى ما تقدم من النور والبشرى بالجنات المخلدة . { يَوْمَ يَقُولُ ٱلْمُنَـٰفِقُونَ وَٱلْمُنَـٰفِقَـٰتُ } بدل من { يَوْمَ تَرَى } . { لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱنظُرُونَا } انتظرونا فإنهم يسرع بهم إلى الجنة كالبرق الخاطف ، أو انظروا إلينا فإنهم إذا نظروا إليهم استقبلوهم بوجوههم فيستضيئون بنور بين أيديهم . وقرأ حمزة « أنظرونا » على أن اتئادهم ليلحقوا بهم إمهال لهم . { نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ } نصب منه . { قِيلَ ٱرْجِعُواْ وَرَاءكُمْ } إلى الدنيا . { فَٱلْتَمِسُواْ نُوراً } بتحصيل المعارف الإلهية والأخلاق الفاضلة ، فإنه يتولد منها أو إلى الموقف فإنه من ثمة يقتبس ، أو إلى حيث شئتم فاطلبوا نوراً آخر فإنه لا سبيل لكم إلى هذا ، وهو تهكم بهم وتخييب من المؤمنين أو الملائكة { فَضُرِبَ بَيْنَهُم } بين المؤمنين والمنافقين . { بِسُورٍ } بحائط . { لَّهُ بَابٌ } يدخل منه المؤمنون . { بَاطِنُهُ } باطن السور أو الباب . { فِيهِ ٱلرَّحْمَةُ } لأنه يلي الجنة . { وَظَـٰهِرُهُ مِن قِبَلِهِ ٱلْعَذَابُ } من جهته لأنه يلي النار . { يُنَـٰدُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ } يريدون موافقتهم في الظاهر . { قَالُواْ بَلَىٰ وَلَـٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ } بالنفاق . { وَتَرَبَّصْتُمْ } بالمؤمنين الدوائر . { وَٱرْتَبْتُمْ } وشككتم في الدين . { وَغرَّتْكُمُ ٱلأَمَانِىُّ } كامتداد العمر . { حَتَّىٰ جَاء أَمْرُ ٱللَّهِ } وهو الموت . { وَغَرَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ } الشيطان أو الدنيا . { فَٱلْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ } فداء وقرأ ابن عامر ويعقوب بالتاء . { وَلاَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } ظاهراً وباطناً . { مَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ هِىَ مَوْلَـٰكُمْ } هي أولى بكم كقول لبيد : @ فَغَدَتْ كِلاَ الفرجَيْنِ تَحْسِبُ أَنَّه مَوْلَى المَخَافَةِ خَلْفَهَا وَأمامها @@ وحقيقته مجراكم أي مكانكم الذي يقال فيه هو أولى بكم كقولك : هو مئنة الكرم أي مكان قول القائل إنه لكريم ، أو مكانكم عما قريب من الولي وهو القرب ، أو ناصركم على طريقة قوله : @ تَحِيَّةٌ بَيْنَهُمْ ضَرْبٌ وَجِيعٌ @@ أو متوليكم يتولاكم كما توليتم موجباتها في الدنيا . { وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } النار . { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ } ألم يأت وقته يقال أنى الأمر يأني أنياً وأناً إذا جاء إناه ، وقرىء « ألم يئن » بكسر الهمزة وسكون النون من آن يئين بمعنى أتى وألماً يأن . روي أن المؤمنين كانوا مجدبين بمكة فلما هاجروا أصابوا الرزق والنعمة ففتروا عما كانوا عليه فنزلت . { وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقّ } أي القرآن وهو عطف على الذكر عطف أحد الوصفين على الآخر ، ويجوز أن يراد بالذكر أن يذكر الله ، وقرأ نافع وحفص ويعقوب { نَزَّلَ } بالتخفيف . وقرىء « أنزل » . { وَلاَ يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلُ } عطف على { تَخْشَعَ } ، وقرأ رويس بالتاء والمراد النهي عن مماثلة أهل الكتاب فيما حكي عنهم بقوله : { فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ } أي فطال عليهم الأجل لطول أعمارهم وآمالهم ، أو ما بينهم وبين أنبيائهم { فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ } . وقرىء { ٱلأمَدُ } وهو الوقت الأطول . { وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَـٰسِقُونَ } خارجون عن دينهم رافضون لما في كتابهم من فرط القسوة . { ٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يُحْييِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا } تمثيل لإِحياء القلوب القاسية بالذكر والتلاوة بالإِحياء والإموات ترغيباً في الخشوع وزجراً عن القساوة . { قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلآيَـٰتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } كي تكمل عقولكم . { إِنَّ ٱلْمُصَّدّقِينَ وَٱلْمُصَّدّقَـٰتِ } إن المتصدقين والمتصدقات ، وقد قرىء بهما ، وقرأ ابن كثير وأبو بكر بتخفيف الصاد أي الذين صدقوا الله ورسوله . { وَأَقْرَضُواُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } عطف على معنى الفعل في المحل باللام لأن معناه : الذين أصدقوا ، أو صدقوا وهو على الأول للدلالة على أن المعتبر هو التصدق المقرون بالإِخلاص . { يُضَـٰعَفْ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ } معناه والقراءة في { يُضَـٰعِفُ } كما مر غير أنه لم يجزم لأنه خبر إن وهو مسند إلى { لَهُمْ } أو إلى ضمير المصدر . { وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلصّدّيقُونَ وَٱلشُّهَدَاءُ عِندَ رَبّهِمْ } أي أولئك عند الله بمنزلة الصديقين والشهداء ، أو هم المبالغون في الصدق فإنهم آمنوا وصدقوا جميع أخبار الله ورسله والقائمون بالشهادة لله ولهم ، أو على الأمم يوم القيامة . وقيل { وَٱلشُّهَدَاء عِندَ رَبّهِمْ } مبتدأ وخبر ، والمراد به الأنبياء من قوله : { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ } [ النساء : 41 ] أو الذين استشهدوا في سبيل الله . { لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ } مثل أجر الصديقين والشهداء ومثل نورهم ولكنه من غير تضعيف ليحل التفاوت ، أو الأجر والنور الموعودان لهم . { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِنَا أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلْجَحِيمِ } فيه دليل على أن الخلود في النار مخصوص بالكفار من حيث أن التركيب يشعر بالاختصاص والصحبة تدل على الملازمة عرفاء .