Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 57, Ayat: 20-25)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ٱعْلَمُواْ أَنَّمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِى ٱلأَمْوٰلِ وَٱلأوْلْـٰدِ } لما ذكر حال الفريقين في الآخرة حقر أمور الدنيا أعني ما لا يتوصل به إلى الفوز الآجل ، بأن بين أنها أمور خيالية قليلة النفع سريعة الزوال لأنها لعب يتعب الناس فيه أنفسهم جداً إتعاب الصبيان في الملاعب من غير فائدة ، ولهو يلهون به أنفسهم عما يهمهم وزينة كالملابس الحسنة والمواكب البهية والمنازل الرفيعة ، وتفاخر بالأنساب أو تكاثر بالعدد والعدد ، ثم قرر ذلك بقوله : { كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ ٱلْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً } وهو تمثيل لها في سرعة تقضيها وقلة جدواها يحال نبات أنبته الغيث فاستوى وأعجب به الحراث ، أو الكافرون بالله لأنهم أشداء إعجاباً بزينة الدنيا ولأن المؤمن إذا رأى معجباً انتقل فكره إلى قدرة صانعه فأعجب بها ، والكافر لا يتخطى فكره عما أحس به فيستغرق فيه إعجاباً ، ثم هاج أي يبس بعاهة فاصفر ثم صار حطاماً ، ثم عظم أمور الآخرة الأبدية بقوله : { وَفِى ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ } تنفيراً عن الانهماك في الدنيا وحثاً على ما يوجب كرامة العقبى ، ثم أكد ذلك بقوله : { وَمَغْفِرَةٌ مّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوٰنٌ } أي لمن أقبل عليها ولم يطلب إلا الآخرة . { وَما ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا إِلاَّ مَتَـٰعُ ٱلْغُرُورِ } أي لمن أقبل عليها ولم يطلب بها الآخرة . { سَابِقُواْ } سارعوا مسارعة المسابقين في المضمار . { إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مّن رَّبّكُمْ } إلى موجباتها . { وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ ٱلسَّمَاءِ وَٱلأَرْضِ } أي عرضها كعرضهما وإن كان العرض كذلك فما ظنك بالطول ، وقيل المراد به البسطة كقوله : { فَذُو دُعَاء عَرِيضٍ } { أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِالله وَرُسُلِهِ } فيه دليل على أن الجنة مخلوقة وأن الإِيمان وحده كاف في استحقاقها . { ذٰلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء } ذلك الموعود يتفضل به على من يشاء من غير إيجاب . { وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ } منه التفضل بذلك وإن عظم قدره . { مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِى ٱلأَرْضِ } كجدب وعاهة . { وَلاَ فِى أَنفُسِكُمْ } كمرض وآفة . { إِلاَّ فِى كِتَـٰبٍ } إلا مكتوبة في اللوح مثبتة في علم الله تعالى . { مّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا } نخلقها والضمير للـ { مُّصِيبَةٍ } أو { ٱلأرْضِ } أو للأنفس . { إِنَّ ذٰلِكَ } أي إثباته في كتاب . { عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } لاستغنائه تعالى فيه عن العدة والمدة . { لّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ } أي أثبت وكتب كي لا تحزنوا { عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ } من نعم الدنيا { وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَا ءاتَـٰكُمْ } بما أعطاكم الله منها فإن من علم أن الكل مقدر هان عليه الأمر ، وقرأ أبو عمرو { بِمَا ءاتَـٰكُمْ } من الإِتيان ليعادل ما فاتكم ، وعلى الأول فيه إشعار بأن فواتها يلحقها إذ خليت وطباعها ، وأما حصولها وإبقاؤها فلا بد لهما من سبب يوجدها ويبقيها ، والمراد نفي الآسي المانع عن التسليم لأمر الله والفرح الموجب للبطر والاحتيال ، ولذلك عقبه بقوله : { وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } إذ قل من يثبت نفسه في حالي الضراء والسراء . { ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ } بدل من كل مختال فإن المختال بالمال يضن به غالباً أو مبتدأ خبره محذوف مدلول عليه بقوله : { وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِىُّ ٱلْحَمِيدُ } لأن معناه ومن يعرض عن الإنفاق فإن الله غني عنه وعن إنفاقه محمود في ذاته لا يضره الإِعراض عن شكره ولا ينفعه التقرب إليه بشكر من نعمه ، وفيه تهديد وإشعار بأن الأمر بالإِنفاق لمصلحة المنفق وقرأ نافع وابن عامر { فَإِنَّ ٱللَّهَ ٱلْغَنِىُّ } . { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا } أي الملائكة إلى الأنبياء أو الأنبياء إلى الأمم . { بِٱلْبَيِّنَـٰتِ } بالحجج والمعجزات . { وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ } ليبين الحق ويميز صواب العمل . { وَٱلْمِيزَانَ } لتسوى به الحقوق ويقام به العدل كما قال تعالى : { لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ } وإنزاله إنزال أسبابه والأمر باعداده ، وقيل أنزل الميزان إلى نوح عليه السلام ، ويجوز أن يراد به العدل . { لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ } لتقام به السياسة وتدفع به الأعداء كما قال : { وَأَنزْلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ } فإن آلات الحروب متخذة منه . { وَمَنَـٰفِعُ لِلنَّاسِ } إذ ما من صنعة إلا والحديد آلاتها . { وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ } باستعمال الأسلحة في مجاهدة الكفار والعطف على محذوف دل عليه ما قبله فإنه حال يتضمن تعليلاً ، أو اللام صلة لمحذوف أي أنزله ليعلم الله . { بِٱلْغَيْبِ } حال من المستكن في ينصره . { إِنَّ ٱللَّهَ قَوِىٌّ } ، على إهلاك من أراد إهلاكه . { عَزِيزٌ } لا يفتقر إلى نصرة وإنما أمرهم بالجهاد لينتفعوا به ويستوجبوا ثواب الامتثال فيه .