Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 58, Ayat: 2-7)

Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ٱلَّذِينَ يُظَـٰهِرُونَ مِنكُمْ مّن نّسَائِهِمْ } الظهار أن يقول الرجل لامرأته أنت عليّ كظهر أمي مشتق من الظهر ، وألحق به الفقهاء تشبيهها بجزء أنثى محرم ، وفي { مّنكُمْ } تهجين لعادتهم فيه فإنه كان من إيمان أهل الجاهلية ، وأصل { يُظَـٰهِرُونَ } يتظاهرون وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي « يُظَـٰهِرُونَ » من أظاهر وعاصم { يُظَـٰهِرُونَ } من ظاهر . { مَّا هُنَّ أُمَّهَـٰتِهِمْ } أي على الحقيقة . { إِنْ أُمَّهَـٰتُهُمْ إِلاَّ ٱللاَّئِى وَلَدْنَهُمْ } فلا تشبه بهن في الحرمة إلا من ألحقها الله بهن كالمرضعات وأزواج الرسول صلى الله عليه وسلم ، وعن عاصم أمهاتهم بالرفع على لغة بني تميم ، وقرىء بـ « أُمَّهَـٰتِهِمْ » وهو أيضاً على لغة من ينصب . { وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مّنَ ٱلْقَوْلِ } إذ الشرع أنكره . { وَزُوراً } منحرفاً عن الحق فإن الزوجة لا تشبه الأم . { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } لما سلف منه مطلقاً ، أو إذا تيب عنه . { وَٱلَّذِينَ يُظَـٰهِرُونَ مِن نّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ } أي إلى قولهم بالتدارك ومنه المثل : عاد الغيث على ما أفسد ، وهو بنقض ما يقتضيه وذلك عند الشافعي بإمساك المظاهر عنها في النكاح زماناً يمكنه مفارقتها فيه ، إذ التشبيه يتناول حرمته لصحة استثنائها عنه وهو أقل ما ينتقض به . وعند أبي حنيفة باستباحة استمتاعها ولو بنظرة شهوة . وعند مالك بالعزم على الجماع ، وعند الحسن بالجماع . أو بالظهار في الإِسلام على أن قوله { يُظَـٰهِرُونَ } بمعنى يعتادون الظهار إذ كانوا يظاهرون في الجاهلية ، وهو قول الثوري أو بتكراره لفظاً وهو قول الظاهرية ، أو معنى بأن يحلف على ما قال وهو قول أبي مسلم أو إلى المقول فيها بامساكها ، أو استباحة استمتاعها أو وطئها . { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } أي فعليهم أو فالواجب اعتقاق رقبة والفاء للسببية ، ومن فوائدها الدلالة على تكرر وجوب التحرير بتكرر الظهار ، والرقبة مقيدة بالإيمان عندنا قياساً على كفارة القتل . { مّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا } أن يستمتع كل من المظاهر عنها بالآخر لعموم اللفظ ومقتضى التشبيه ، أو أن يجامعها وفيه دليل على حرمة ذلك قبل التكفير . { ذٰلِكُمْ } أي ذلكم الحكم بالكفارة . { تُوعَظُونَ بِهِ } لأنه يدل على ارتكاب الجناية الموجبة للغرامة ويردع عنه . { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } لا تخفى عليه خافية . { فَمَن لَّمْ يَجِدْ } أي الرقبة والذي غاب ماله واجد . { فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا } فإن أفطر بغير عذر لزمه الاستئناف وإن أفطر لعذر ففيه خلاف ، وإن جامع المظاهر عنها ليلاً لم ينقطع التتابع عندنا خلافاً لأبي حنيفة ومالك رضي الله تعالى عنهما . { فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ } أي الصوم لهرم أو مرض مزمن أو شبق مفرط فإنه صلى الله عليه وسلم رخص للأعرابي المفطر أن يعدل لأجله . { فَإِطْعَامُ سِتّينَ مِسْكِيناً } ستين مداً بمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو رطل وثلث لأنه أقل ما قيل في الكفارات وجنسه المخرج في الفطرة ، وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه يعطي كل مسكين نصف صاع من بر أو صاعاً من غيره ، وإنما لم يذكر التماس مع الطعام اكتفاء بذكره مع الآخرين ، أو لجوازه في خلال الإطعام كما قال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه . { ذٰلِكَ } أي ذلك البيان أو التعليم للأحكام ومحله النصب بفعل معلل بقوله : { لّتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } ، أي فَرضَ ذَلِكَ لتصدقوا بالله وَرَسُولِهِ في قبول شرائعهِ وَرَفْض مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ في جاهليتكم { وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ } لا يجوز تعديها . { وَلِلْكَـٰفِرِينَ } أي الذين لا يقبلونها . { عَذَابٌ أَلِيمٌ } هو نظير قوله تعالى : { وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱلله غَنِىٌّ عَنِ ٱلْعَـٰلَمِينَ } [ آل عمرآن : 97 ] { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحَادُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } يعادونهما فإن كلاً من المتعادين في حد غير حد الآخر ، أو يضعون أو يختارون حدوداً غير حدودهما . { كُبِتُواْ } أخزوا وأهلكوا وأصل الكبت الكب . { كَمَا كُبِتَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } يعني كفار الأمم الماضية . { وَقَدْ أَنزَلْنَا ءايَـٰتٍ بَيّنَـٰتٍ } تدل على صدق الرسول وما جاء به . { وَلِلْكَـٰفِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ } يذهب عزهم وتكبرهم . { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهِ } منصوب بـ { مُّهِينٌ } أو بإضمار اذكر . { جَمِيعاً } كلهم لا يدع أحداً غير مبعوث أو مجتمعين . { فَيُنَبّئُهُمْ بِمَا عَمِلُواْ } أي على رؤوس الأشهاد تشهيراً لحالهم وتقريراً لعذابهم . { أَحْصَـٰهُ ٱللَّهُ } أحاط به عدداً لم يغب منه شيء . { وَنَسُوهُ } لكثرته أو تعاونهم به . { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَىْءٍ شَهِيدٌ } لا يغيب عنه شيء . { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } كلياً وجزئياً . { مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَـٰثَةٍ } أي ما يقع من تناجي ثلاثة ، ويجوز أن يقدر مضاف أو يؤول { نَجْوَىٰ } بمتناجين ويجعل { ثَلَـٰثَةً } صفة لها ، واشتقاقها من النجوة وهي ما ارتفع من الأرض فإن السر أمر مرفوع إلى الذهن لا يتيسر لكل أحد أن يطلع عليه . { إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ } إلا الله يجعلهم أربعة من حيث أنه يشاركهم في الاطلاع عليها ، والاستثناء من أعم الأحوال . { وَلاَ خَمْسَةٍ } ولا نجوى خمسة . { إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ } وتخصيص العددين إما لخصوص الواقعة فإن الآية نزلت في تناجي المنافقين ، أو لأن الله تعالى وتر يحب الوتر ، والثلاثة أول الأوتار أو لأن التشاور لا بد له من اثنين يكونان كالمتنازعين وثالث يتوسط بينهما ، وقرىء { ثَلَـٰثَةً } و { خَمْسَةٍ } بالنصب على الحال بإضمار { يتناجون } أو تأويل { نَجْوَىٰ } بمتناجين . { وَلاَ أَدْنَىٰ مِن ذَلِكَ } ولا أقل مما ذكر كالواحد والاثنين . { وَلاَ أَكْثَرَ } كالستة وما فوقها . { إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ } يعلم ما يجري بينهم . وقرأ يعقوب ولا أكثر بالرفع عطفاً على محل من { نَجْوَىٰ } أو محل لا أدنى بأن جعلت لا لنفي الجنس . { أَيْنَمَا كَانُواْ } فإن علمه بالأشياء ليس لقرب مكاني حتى يتفاوت باختلاف الأمكنة . { ثُمَّ يُنَبّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } تفضيحاً لهم وتقريراً لما يستحقونه من الجزاء . { إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلّ شَىْءٍ عَلِيمٌ } لأن نسبة ذاته المقتضية للعلم إلى الكل على السواء .