Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 31-40)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء ٱللَّهِ } إذ فاتهم النعم واستوجبوا العذاب المقيم ولقاء الله البعث وما يتبعه . { حَتَّىٰ إِذَا جَاءتْهُمُ ٱلسَّاعَةُ } غاية لكذبوا لا لخسر ، لأن خسرانهم لا غاية له . { بَغْتَةً } فجأة ونصبها على الحال ، أو المصدر فإنها نوع من المجيء . { قَالُواْ يَا حَسْرَتَنَا } أي تعالي فهذا أوانك . { عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا } قصرنا { فِيهَا } في الحياة الدنيا أضمرت وإن لم يجر ذكرها للعلم بها ، أو في الساعة يعني في شأنها والإِيمان بها . { وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ } تمثيل لاستحقاقهم آصار الآثام . { أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ } بئس شيئاً يزرونه وزرهم . { وَمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ } أي وما أعمالها إلا لعب ولهو يلهي الناس ويشغلهم عما يعقب منفعة دائمة ولذة حقيقية . وهو جواب لقولهم { إِنْ هِىَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا } [ الأنعام : 29 ] { وَلَلدَّارُ ٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لّلَّذِينَ يَتَّقُونَ } لدوامها وخلوص منافعها ولذاتها ، وقوله : { لّلَّذِينَ يَتَّقُونَ } تنبيه على أن ما ليس من أعمال المتقين لعب ولهو . وقرأ ابن عامر « ولدار الآخرة » . { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } أي الأمرين خير . وقرأ نافع وابن عامر وحفص عن عاصم ويعقوب بالتاء على خطاب المخاطبين به ، أو تغليب الحاضرين على الغائبين . { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِى يَقُولُونَ } معنى قد زيادة الفعل وكثرته كما في قوله : @ وَلَكِنَّهُ قَدْ يُهْلِكُ المَالَ نَائِلُهْ @@ والهاء في أنه للشأن . وقرىء { لَيَحْزُنُكَ } من أحزن . { فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذّبُونَكَ } في الحقيقة . وقرأ نافع والكسائي { لاَ يُكَذّبُونَكَ } من أكذبه إذا وجده كاذباً ، أو نسبه إلى الكذب . { وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ بِـئَايَـٰتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } ولكنهم يجحدون بآيات الله ويكذبونها ، فوضع الظالمين موضع الضمير للدلالة على أنهم ظلموا بجحودهم ، أو جحدوا لتمرنهم على الظلم ، والباء لتضمين الجحود معنى التكذيب . روي أن أبا جهل كان يقول : ما نكذبك وإنك عندنا لصادق وإنما نكذب ما جئتنا به . فنزلت . { وَلَقَدْ كُذّبَتْ رُسُلٌ مّن قَبْلِكَ } تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفيه دليل على أن قوله : { لاَ يُكَذّبُونَكَ } ، ليس لنفي تكذيبه مطلقاً . { فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذّبُواْ وَأُوذُواْ } على تكذيبهم وإيذائهم فتأس بهم واصبر . { حَتَّىٰ أَتَـٰهُمْ نَصْرُنَا } فيه إيماء بوعد النصر للصابرين . { وَلاَ مُبَدّلَ لِكَلِمَـٰتِ ٱللَّهِ } لمواعيده من قوله : { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلْمُرْسَلِينَ } [ الصافات : 171 ] الآيات . { وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَبَإِي ٱلْمُرْسَلِينَ } أي بعض قصصهم وما كابدوا من قومهم . { وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ } عظم وشق . { إِعْرَاضُهُمْ } عنك وعن الإِيمان بما جئت به . { فَإِن ٱسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِىَ نَفَقاً فِى ٱلأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ } منفذاً تنفذ فيه إلى جوف الأرض فتطلع لهم آية ، أو مصعداً تصعد به إلى السماء فتنزل منها آية ، وفي الأرض صفة لنفقاً وفي السماء صفة لسلما ، ويجوز أن يكونا متعلقين بتبتغي ، أو حالين من المستكن وجواب الشرط الثاني محذوف تقديره فافعل ، والجملة جواب الأول والمقصود بيان حرصه البالغ على إسلام قومه ، وأنه لو قدر أن يأتيهم بآية من تحت الأرض أو من فوق السماء لأتى بها رجاء إيمانهم { وَلَوْ شَاء ٱللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى ٱلْهُدَىٰ } لوفقهم للإِيمان حتى يؤمنوا ولكن لم تتعلق به مشيئته ، فلا تتهالك عليه والمعتزلة أولوه بأنه لو شاء لجمعهم على الهدى بأن يأتيهم بآية ملجئة ولكن لم يفعل لخروجه عن الحكمة . { فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْجَـٰهِلِينَ } بالحرص على ما لا يكون ، والجزع في مواطن الصبر فإن ذلك من دأب الجهلة . { إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَ } إنما يجيب الذين يسمعون بفهم وتأمل لقوله تعالى : { أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } [ ق : 37 ] وهؤلاء كالموتى الذين لا يسمعون . { وَٱلْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ } فيعلمهم حين لا ينفعهم الإِيمان . { ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } للجزاء . { وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزّلَ عَلَيْهِ ءايَةٌ مّن رَّبّهِ } أي آية بما اقترحوه ، أو آية أخرى سوى ما أنزل من الآيات المتكاثرة لعدم اعتدادهم بها عناداً . { قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يُنَزّلٍ ءايَةً } مما اقترحوه ، أو آية تضطرهم إلى الإِيمان كنتق الجبل ، أو آية إن جحدوها هلكوا . { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أن الله قادر على إنزالها ، وأن إنزالها يستجلب عليهم البلاء ، وأن لهم فيما أنزل مندوحة عن غيره . وقرأ ابن كثير ينزل بالتخفيف والمعنى واحد . { وَمَا مِن دَابَّةٍ فِى ٱلأَرْضِ } تدب على وجهها . { وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ } في الهواء ، وصفه به قطعاً لمجاز السرعة ونحوها . وقرىء « ولا طائر » بالرفع على المحل . { إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَـٰلُكُمْ } محفوظة أحوالها مقدرة أرزاقها وآجالها ، والمقصود من ذلك الدلالة على كمال قدرته وشمول علمه وسعة تدبيره ، ليكون كالدليل على أنه قادر على أن ينزل آية . وجمع الأمم للحمل على المعنى . { مَّا فَرَّطْنَا فِي ٱلكِتَـٰبِ مِن شَيْء } يعني اللوح المحفوظ ، فإنه مشتمل على ما يجري في العالم من الجليل والدقيق لم يهمل فيه أمر ، حيوان ولا جماد . أو القرآن فإنه قد دون فيه ما يحتاج إليه من أمر الدين مفصلاً أو مجملاً ، ومن مزيدة وشيء في موضع المصدر لا بالمفعول به ، فإن فرط لا يتعدى بنفسه وقد عدي بفي إلى الكتاب . وقرىء { مَّا فَرَّطْنَا } بالتخفيف . { ثُمَّ إِلَىٰ رَبّهِمْ يُحْشَرُونَ } يعني الأمم كلها فينصف بعضها من بعض كما روي : أنه يأخذ للجماء من القرناء . وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : حشرها موتها . { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَـٰتِنَا صُمٌّ } لا يسمعون مثل هذه الآيات الدالة على ربوبيته وكمال علمه وعظم قدرته سماعاً تتأثر به نفوسهم . { وَبُكْمٌ } لا ينطقون بالحق . { فِى ٱلظُّلُمَـٰتِ } خبر ثالث أي خابطون في ظلمات الكفر ، أو في ظلمة الجهل وظلمة العناد وظلمة التقليد ، ويجوز أن يكون حالاً من المستكن في الخبر . { مَن يَشَإِ ٱللَّهُ يُضْلِلْهُ } من يشأ الله إضلاله يضلله ، وهو دليل واضح لنا على المعتزلة . { وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } بأن يرشده إلى الهدى ويحمله عليه . { قُلْ أَرَأَيْتُكُم } استفهام تعجيب ، والكاف حرف خطاب أكد به الضمير للتأكيد لا محل له من الإِعراب لأنك تقول : أرأيتك زيداً ما شأنه فلو جعلت الكاف مفعولاً كما قاله الكوفيون لعديت الفعل إلى ثلاثة مفاعيل ، وللزم في الآية أن يقال : أرأيتموكم بل الفعل معلق أو المفعول محذوف تقديره : أرأيتكم آلهتكم تنفعكم . إذ تدعونها . وقرأ نافع أرأيتكم وأرأيت وأرأيتم وأفرأيتم وأفرأيت وشبهها إذا كان قبل الراء همزة بتسهيل الهمزة التي بعد الراء ، والكسائي يحذفها أصلاً والباقون يحققونها وحمزة إذا وقف وافق نافعاً . { إِنْ أَتَـٰكُمْ عَذَابُ ٱللَّهِ } كما أتى من قبلكم . { أَوْ أَتَتْكُمْ ٱلسَّاعَةُ } وهو لها ويدل عليه . { أَغَيْرَ ٱللَّهِ تَدْعُونَ } وهو تبكيت لهم . { إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } أن الأصنام آلهة وجوابه محذوف أي فادعوه .