Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 3-21)

Tafsir: Tafsīr Muqātil ibn Sulaymān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ } ، يعني القرآن ، { بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ } ، بالذي أوحينا إليك ، نظيرها في يس : { بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي } [ يس : 37 ] ، { هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ } ، يعني من قبل نزول القرآن عليك ، { لَمِنَ ٱلْغَافِلِينَ } [ آية : 3 ] عنه . { إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ } يعقوب : { يٰأَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ } في المنام { أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ } هبطوا إلى الأرض من السماء ، فـ { رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ } [ آية : 4 ] ، فالكواكب الأحد عشر إخوته ، والشمس أم يوسف ، وهي راحيل بنت لاتان ، ولاتان هو خال يعقوب والقمر أبوه يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ، وقد علم تعبير ما رأى يوسف . { قَالَ يٰبُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ } فيحسدوك إضمار ، { فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً } ، فيعملوا بك شراً ، { إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } [ آية : 5 ] ، يعني بين . وقال يعقوب ليوسف : { وَكَذٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ } ، يقول : وهكذا يستخلصك ربك بالسجود ، { وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ } ، يعني ويعلمك تعبير الرؤيا ، { وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ آلِ يَعْقُوبَ } ، يعني بآل يعقوب هو وامرأته وإخوته الأحد عشر ، بالسجود لك ، { كَمَآ أَتَمَّهَآ } ، يعني النعمة ، { عَلَىٰ أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ } ، يعني بأبويه { إِبْرَاهِيمَ } حين رأى في المنام أنه يذبح ابنه إسحاق ، وألقى إبراهيم في النار ، فنجاه الله تعالى منها ، وأراد ذبح ابنه ، فخلصه الله بالسجود ، { وَإِسْحَاقَ } في رؤيا إبراهيم في ذبح إسحاق ، { إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ } بتمامها ، { حَكِيمٌ } [ آية : 6 ] ، يعني القاضى لها . { لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ } ، يعني علامات ، { لِّلسَّائِلِينَ } [ آية : 7 ] وذلك أن اليهود لما سمعوا ذكر يوسف ، عليه السلام ، من النبي صلى الله عليه وسلم ، منهم كعب بن الأشرف ، وحيي ، وجدي ابنا أخطب ، والنعمان بن أوفى ، وعمرو ، وبحيرا ، وغزال بن السموأل ، ومالك بن الضيف ، فلم يؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم منهم غير جبر غلام بن الحضرمي ، ويسار أبو فكيهه ، وعداس ، فكان ما سمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم من ذكر يوسف وأمره { آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ } ، وذلك أن اليهود سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن أمر يوسف ، فكان ما سمعوا علامة لهم وهم السائلون عن أمر يوسف ، عليه السلام ، وكان يوسف قد فضل في زمانه بحسنه على الناس كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب . { إِذْ قَالُواْ } إخوة يوسف ، وهو : روبيل أكبرهم سناً ، ويهوذا أكبرهم في العقل ، وهو الذي قال الله : { قَالَ كَبِيرُهُمْ } يوسف : 80 ] في العقل ، ولم يكن كبيرهم في السن ، وشمعون , ولاوى ، ونفتولن ، وربولن ، وآشر ، واستاخر ، وجاب ودان ، ويوسف وبنيامين ، بعضهم لبعض { لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ } ، وهو بنيامين { أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ } ، يعني عشرة ، { إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [ آية : 8 ] ، يعني خسران مبين ، يعني في شقاء بين ، نظيرها في سورة القمر : { ِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلاَلٍ } [ القمر : 47 ] ، يعني في شقاء ، من حب يعقوب لابنه يوسف وذكره . ثم قال بعضهم لبعض : { ٱقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ ٱطْرَحُوهُ أَرْضاً } بعيدة ، { يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ } فيقبل عليكم بوجهه ، { وَتَكُونُواْ } ، يعني وتصيروا { مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ } [ آية : 9 ] ، يعني يصلح أمركم وحالكم عند أبيكم . { قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ } ، وهو يهوذا بن يعقوب : { لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ } فإن قتله عظيم ، { وَ } لكن { وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ ٱلْجُبِّ } على طريق الناس ، فيأخذونه فيكفونكم أمره ، يعني الزائغة من البئر ما يتوارى عن العين ولا يراه أحد ، فهو غيابت الجب ، { يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ ٱلسَّيَّارَةِ } ، فيذهبوا به فيكفونكم أمره ، { إِن كُنتُمْ } لا بد { فَاعِلِينَ } [ آية : 10 ] من الشر الذي تريدون به . فأتوا يعقوب ، فـ { قَالُواْ يَـأَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ } [ آية : 11 ] . { أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ } ، يعني ينشط ويفرح ، والعرب تقول : رتعت لك ، يعني فرحت لك ، { وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [ آية : 12 ] من الضيعة ، قال يعقوب لهم : إني أخاف عليه ، فقالوا لأبيهم : { مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ } في الحفظ له . { قَالَ } أبوهم : { إِنِّي لَيَحْزُنُنِيۤ أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ ٱلذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ } [ آية : 13 ] ، لا تشعرون به ، وكانت أرضاً مذئبة ، فمن ثم قال يعقوب : أنى أخاف أن يأكله الذئب . { قَالُواْ } ، أي العشرة ، : { لَئِنْ أَكَلَهُ ٱلذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ } ، يعني ونحن جماعة ، { إِنَّآ إِذَاً لَّخَاسِرُونَ } [ آية : 14 ] ، يعني لعجزة . { فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ } ، بيوسف ، { وَأَجْمَعُوۤاْ } أمرهم { أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ ٱلْجُبِّ } على رأس ثلاثة فراسخ ، فألقوه في الجب ، والماء يومئذ كدر غليظ ، فعذب الماء وصفا حين ألقى فيه ، وقام على صخرة في قاصية البئر ، فوكل الله به ملكاً يحرسه في الجب ويطعمه ، { وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } [ آية : 15 ] ، وذلك أن الله أوحىإلى يوسف ، عليه السلام ، بعدما انصرف إخوته : إنك ستخبر إخوتك بأمرهم هذا الذي ركبوا منك ، ثم قال : { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } أنك يوسف حين تخبرهم ، فأنبأهم يوسف بعد ذلك حين قال لهم وضرب الإناء ، فقال : إن الإناء ليخبرني بما فعلتم بيوسف من الشر ونزع الثياب . قال أبو محمد عبد الله بن ثابت : وسمعت أبى يحدثني عن الهذيل ، عن مقاتل في قوله : { وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } ، قال : لا يشعرون أنك يوسف . قال : وذلك أن يوسف لما استخرج الصاع من وعاء أخيه بنيامين ، قطع بالقوم وتحيروا ، فأحضرهم وأخذ بنيامين مكان سرقته ، ثم تقدم إلى أمينه ، فقال له : أحضر الصاع إذا حضروا وانقره ثلاث نقرات ، واستمع طنين كل نقرة حتى تسكن ، ثم قال في النقرة الأولى كذا ، وفى الثانية كذا ، وفى الثالثة كذا ، وأوهمهم أنك إنما تخبرنى عن شىء تفهمه من طنين الصاع ، قال : فأمر بهم فجمعوا ، ثم قال يوسف للذي استخرج الصاع ، وهو أمينه : أحضر الصاع الذي سرقوه ، وتقدم إليه ألا يكتمنا من أخبارهم شيئا ، فإنه غضبان عليهم ويوشك أن يصدق عنهم ، قال : فأحضره والقوم ، وقال له الأمين : أيها الصاع ، إن الملك يأمرك أن تبين له أمر هؤلاء القوم ولا تكتمه شيئاً من أمرهم ، ثم نقره نقرة شديد ، وأصغى إليه يسمعه ، كأنه يستمع منه شيئاً ، فقال : أيها الملك ، إن الصاع يقول لك : إنهم أخبروك أنهم لأم واحدة ، وأنهم شتى ، وذلك وقع بينهم ما يقع بين الأولاد العتاة . قال : قل له لا يكتمنا من أخبارهم شيئاً ، ثم نقره الثانية وأصغى إليه يسمعه ، فلما سكن ، قال : أيها الملك ، إنهم أخبروك أن لهم أخاً مفقوداً ، ولن تنصرم الأيام والليالي حتى يأتي ذلك الغلام فيتبين الناس أخبارهم . قال : مره ألا يكتمنا من أخبارهم شيئاً ، قال : فطن الثالثة ، فلما سكن قال : أيها الملك ، إنه ما دخل على أبيهم غم ولا هم ولا حزن إلا بسببهم وجرائرهم ، قال : أوعز إليه ألا يكتمنا من أخبارهم شيئاً . قال : فنظر بعضهم إلى بعض ، وخافوا أن يظهر عليهم ما كتموه من أمر يوسف ، عليه السلام ، فقاموا إليه بجمعهم يقبلون رأسه وعينه ، ويقولون : بالذى أشبهك بالنبيين ، وفضلك على العالمين ، ألا أقلت العثرة ، وسترت العورة ، وحفظتنا في أبينا يعقوب ، فرق لهم ، وقال : لولا حفاظي لكم في أبيكم لنكلت بكم ولألحقتكم بالسراق واللصوص ، أغربوا عني ، فلا حاجة لي فيكم . قال : فلما قدموا على أبيهم أخبروه بأخبارهم ، قال : فردهم بالبضاعة المجازة ، وكتب معهم كتاباً إليه ، فيه : بسم الله الرحمن الرحيم ، من يعقوب إسرائيل الله ابن إسحاق ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله ، إلى عزيز مصر ، سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد ، فإنى ما سرقت ، ولا ولدت سارقاً ، ولكن أهل بيت البلاء موكل بنا ، أما جدي ، فألقي في النار ، فجعلها الله عليه برداً وسلاماً ، وأما أبي ، فأضجع للذبح ، ففداه الله بذبح عظيم ، وأما أنا ، فبليت بفقد حبيبي وقرة عيني يوسف . قال : فلما وصلوا إليه أوصلوا كتابه ، فلما قرأ كتابه انتحب ، فقيل له : كأنك صاحب الكتاب ، فقال : أجل ، فذلك قوله : { لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُون } ، ثم تعرف إليهم فعرفوه . { وَجَآءُوۤا أَبَاهُمْ } يعقوب { عِشَآءً يَبْكُونَ } [ آية : 16 ] صلاة العتمة . { قَالُواْ يَأَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ } ، يعني نتصيد ، { وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا } ليحفظه ، { فَأَكَلَهُ ٱلذِّئْبُ وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا } ، يعني بمصدق لنا ، { وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ } [ آية : 17 ] بما نقول . { وَجَآءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ } ، يعني على قميص يوسف ، { بِدَمٍ كَذِبٍ } ، وذلك أنهم حين ألقوه في البئر انتزعوا ثيابه ، وهو قميصه ، ثم عمدوا إلى سخلة فذبحوها على القميص ليروا أباهم يعقوب ، فلما رأى أباهم القميص صحيحاً اتهمهم ، وكان لبيباً عاقلاً ، فقال : ما أحلم هذا السبع حين خلع القميص كراهية أن يتمزق ، ثم بكى ، فـ { قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً } ، وكان الذي أردتم هو منكم ، { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ } ، يعني صبرى صبراً حسناً لا جزع فيه ، { وَٱللَّهُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ } [ آية : 81 ] ، يقول : بالله أستعين على ما تقولون حين تزعمون أن الذئب أكله ، فبكى عليه يعقوب ، عليه السلام ، حتى امتنع عن النوم ومن أهل بيته ، فكان يبكى ويئود ، فمن هناك تئود اليهود إذا قرأوا التوراة . { وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ } ، وهي العير ، وقالوا : رفقة من العرب ، فنزلوا على البئر يريدون مصر ، { فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ } ، فبعثوا رجلين : مالك بن دعر ، وعود بن عامر ، إلى الماء ، { فَأَدْلَىٰ } أحدهم : { دَلْوَهُ } ، واسمه مالك بن دعر بن مدين بن إبراهيم خليل الرحمن ، فتعلق يوسف بالدلو ، فصاح مالك { قَالَ } ، فقال : يا عود ، للذي يسقي ، وهو عود بن عامر بن الدرة بن حزام ، { يٰبُشْرَىٰ } ، يقول : يا مالك أبشر ، { هَـٰذَا غُلاَمٌ } والجب بواد في أرض الأردن يسمى أدنان . فبكى يوسف ، عليه السلام ، وبكى الجب لبكائه ، وبكى مد صوته من الشجر والمدر والحجارة ، وكان إخوته لما دلوه في البئر ، تعلق يوسف في شفة البئر ، فعمدوا إليه فخلصوا قميصه وأوثقوا يده ، فقال : يا إخوتاه ، وردوا عليَّ القميص أتوارى به في البئر ، فقالوا له : ادع الأحد عشر كوكباً والشمس والقمر يؤنسونك ، فلما انتصف في الجب ألقوه ، حتى وقع في البئر ، فأدلوه في قعرها ، فأراد أن يموت ، فدفع الله عنه ، ودعا يوسف ربه حين أخرجه مالك أن يهب لمالك ولداً ، فولد له أربعة وعشرون ولدا . قوله : { وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً } ، يعني أخفوه من أصحابهم الذين مروا على الماء في الرفقة ، وقالوا : هو بضاعة لأهل الماء نبيعه لهم بمصر ؛ لأنهم لو قالا : إنا وجدناه أو اشتريناه ، سألوهما الشركة فيه ، { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } [ آية : 19 ] ، يعني بما يقولون من الكذب . يقول الله تعالى : { وَشَرَوْهُ } ، يعني وباعوه { بِثَمَنٍ بَخْسٍ } بثمن حرام لا يحل لهم بيعة ؛ لأنه حر ، وثمن الحر حرام وبيعه حرام ، { دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ } ، وهي عشرون درهماً ، وكانت العرب تبايع بالأقل ، فإذا كانت أربعين فهي أوقية ، وما كان دون الأربعين ، فهي دراهم معدودة ، { وَكَانُواْ فِيهِ } ، يعني الذي باعوه كانوا في يوسف { مِنَ ٱلزَّاهِدِينَ } [ آية : 20 ] حين باعوه ، ولم يعلموا منزلة يوسف عند الله ، ومَنْ أبوه ، ولو علموا ذلك ما باعوه . فانطلق القوم حتى أتوا به مصر ، فبينا هو قريب منها ، إذ مر براكب منها يقال له : مالك بن دعر اللخمي ، قال له يوسف : أين تريد أيها الراكب ؟ قال : أريد أرض كنعان ، قال : إذا أتيت كنعان ، فأت الشيخ يعقوب فأقرئه السلام ، وصفني له ، وقل له : إني لقيت غلاماً بأرض مصر ، ووصفه له ، وهو يقرئك السلام ، فبكى يعقوب ، عليه السلام ، ثم قال : هل لك إلى الله حاجة ؟ قال : نعم ، عندي امرأة ، وهي من أحب الخلائق إليَّ لم تلد مني ولداً قط ، فوقع يعقوب ساجداً ، فدعا الله ، فولد له أربعة وعشرون ذكراً ، وكان يوسف ، عليه السلام ، بأرض مصر ، فأنزل الله عليهم البركة ، ثم باعه المشتري من قطفير بن ميشا ، فقال يوسف : من يشتري ويبشر ، فاشتراه قطفير بن ميشا بعشرين ديناراً وزيادة حلة ونعلين ، وأخذ البائع قيمة الدنانير دراهم . { وَقَالَ ٱلَّذِي ٱشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ } ، وهو قطفير بن ميشا { لاِمْرَأَتِهِ } زليخا بنت يمليخا : { أَكْرِمِي مَثْوَاهُ } ، يعني أحسني منزلته وولايته ، { عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَآ } أو نصيب منه خيراً ، { أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلأَرْضِ } الملك والسلطان في أرض مصر ، { وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ } ، يعني من تعبير الرؤيا ، { وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ } ، يعني والله متم ليوسف أمره الذي هو كائن مما لا يعلمه الناس ، فذلك قوله : { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } [ آية : 21 ] ذلك .