Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 22-35)
Tafsir: Tafsīr Muqātil ibn Sulaymān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ } ، يعني ثماني عشرة سنة ، { آتَيْنَاهُ حُكْماً } ، يقول : أعطيناه فهماً ، { وَعِلْماً وَكَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } [ آية : 22 ] ، يعني وهكذا نجزي المخلصين بالفهم والعلم . { وَرَاوَدَتْهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ ٱلأَبْوَابَ } على نفسها وعلى يوسف في أمر الجماع ، { وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ } ، يعني هلم لك نفسي ، تريد المرأة الجماع ، فغلبته بالكلام ، { قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ } ، يعني أعوذ بالله ، { إِنَّهُ رَبِّيۤ أَحْسَنَ مَثْوَايَ } ، يقول : إنه سيدي ، يعني زوجها ، أكرم مثواي ، يعني منزلتي ، { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ } ، يعني لا يفوز { ٱلظَّالِمُونَ } [ آية : 23 ] إن ظلمته في أهله ، وألقى عليها شهوة أربعين إنساناً . { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ } ، يقول : همت المرأة بيوسف حتى استلقت للجماع ، { وَهَمَّ بِهَا } يوسف حين حل سراويله وجلس بين رجليها ، { لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ } ، يعني آية ربه لواقعها ، والبرهان مثل له يعثوب عاض على إصبعه ، فلما رأى ذلك ، ولى دبراً واتبعته المرأة { كَذَلِكَ } ، يعني هكذا ، { لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوۤءَ } ، يعني الإثم ، { وَٱلْفَحْشَآءَ } ، يعني المعاصي ، { إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ } [ آية : 24 ] بالنبوة والرسالة ، نظيرها { إِنَّآ أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى ٱلدَّارِ } [ ص : 46 ] ، يعني بالنبوة . { وَٱسُتَبَقَا ٱلْبَابَ } ، يوسف أمامها هارب منها ، وهي ورائه تتبعه لتحبسه على نفسها ، فأدركته قبل أن ينتهي إلى الباب ، { وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ } ، يقول : فمزقت قميصه من ورائه حتى سقط القميص عن يوسف ، { وَأَلْفَيَا } ، يقول : وجدا ، كقوله : { أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا } [ البقرة : 170 ] ، يعني وجدا { سَيِّدَهَا } ، يعني زوجها ، { لَدَى ٱلْبَابِ } ، يعني عند الباب ومعه ابن عمها يملخا بن أزليخا ، { قَالَتْ مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوۤءًا } ، يعني الزنا ، { إِلاَّ أَن يُسْجَنَ } حبساً في نصب ، { أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ آية : 25 ] ، يعني ضرباً وجيعاً . { قَالَ } يوسف للزوج : { هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ } وهو يمليخا ابن عم المرأة ، فتكلم بعقل ولب ، قال : { إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ } [ آية : 26 ] ، أي إن كان يوسف هو الذي راودها ، فقدت ، يعني فمزقت قميصه من قُبل ، يعني من قدامه ، فصدقت على يوسف ، ويوسف من الكاذبين في قوله . { وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ } [ آية : 27 ] ، أي وإن كان يوسف هو الهارب منها ، فأدركته فقدت قميصه من دبر ، فكذبت على يوسف ، ويوسف من الصادقين في قوله ، وقد سمعا جلبتهما وتمزيق القميص من وراء الباب . { فَلَمَّا رَأَى } الزوج { قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ } ، يقول : مزق من ورائه ، { قَالَ } لها : { إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ } ، يقول : تمزيق القميص من فعلكن ، يعني امرأته ، ثم قال : { إِنَّ كَيْدَكُنَّ } ، يعني فعلكن { عَظِيمٌ } [ آية : 28 ] ؛ لأن المرأة لا تزال بالرجل حتى يقع في الخطيئة العظيمة . ثم قال الشاهد ليوسف : { يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا } الأمر الذي فعلت بك ، ولا تذكره لأحد ، ثم أقبل الشاهد على المرأة ، فقال : { وَٱسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ } ، يعني واعتذرى إلى زوجك واستعفيه ألا يعاقبك ، { إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ٱلْخَاطِئِينَ } [ آية : 29 ] . { وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي ٱلْمَدِينَةِ } ، وهن خمس نسوة : امرأة الخباز ، وامرأة الساقي وامرأة صاحب السجن ، وامرأة صاحب الدواب ، وامرأة صاحب الإذن ، قلن : { ٱمْرَأَةُ ٱلْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا } العبراني ، يعني عبدها الكنعاني ، { عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً } ، يعني غلبها حباً شديداً هلكت عليه ، { إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [ آية : 30 ] ، يعني في خسران بين ، يعني شقاء من حب يوسف ، عليه السلام ، حتى فشا عليها . { فَلَمَّا سَمِعَتْ } زليخا { بِمَكْرِهِنَّ } ، يعني بقولهن لها ، { أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ } فجئنها ، { وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً } ، وهو الأترج ، وكل شىء يحز بالسكين فهو متكأ ، { وَآتَتْ } ، يعني وأعطت { كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً } ، وأمرت يوسف ، عليه السلام ، فتزين وترجل ، وكان أُعطى يوسف في زمانه ثلث الحسن ، وآتاه الحسن من قِبل جده إسحاق من قبل أمه سارة ، وورثت سارة حسنها من قِبل حواء امرأة آدم ، عليه السلام ، وحسن حواء من آدم ؛ لأنها خلقت منه . وقال مقاتل : كل ذكر أحسن من الأنثى من الأشياء كلها ، وفضل يوسف في زمانه بحسنه على الناس ، كفضل القمر ليلة البدر على الكواكب . { وَقَالَتِ } ، أي ثم قال : يا يوسف : { ٱخْرُجْ عَلَيْهِنَّ } من البيت ، { فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ } ، يعني أعظمنه ، { وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ } ، يعني وحززن أصابعهن بالسكين حين نظرن إليه ، { وَقُلْنَ حَاشَ للَّهِ } ، يعني معاذ الله ، { مَا هَـٰذَا بَشَراً } إنساناً ، { إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ } [ آية : 31 ] ، يعني حسن ، فأعجبها ما صنعن وما قلن . { قَالَتْ } زليخا : { فَذٰلِكُنَّ ٱلَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ } الذي افتتنتن به ، { وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَٱسَتَعْصَمَ } ، يعني فامتنع عن الجماع ، { وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَآ آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّن ٱلصَّاغِرِينَ } [ آية : 32 ] ، يعني المذلين . قالت النسوة : يا يوسف ، ما يمنعك أن تقضي لها حاجتها ؟ فدعى يوسف ربه ، { قَالَ رَبِّ ٱلسِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِيۤ إِلَيْهِ } من الزنا ، حين قلن ليوسف : ما يحملك على ألا تقضي حاجتها ، { وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ } ، يقول : أفضى إليهن ، { وَأَكُن مِّنَ ٱلْجَاهِلِينَ } [ آية : 33 ] ، يعني من المذنبين . { فَٱسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ } ، يعني مكرهن وشرهن ، { إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ } لدعاء يوسف ، { ٱلْعَلِيمُ } [ آية : 34 ] به . { ثُمَّ بَدَا لَهُمْ } ، يعني ثم بدا للزوج { مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ ٱلآيَاتِ } ، يعني من بعد ما رأوا العلامات في تمزيق القميص من دبر أنه بريء ، { لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ حِينٍ } [ آية : 35 ] ، وذلك أنها قالت لزوجها حين لم يطاوعها يوسف : احبس يوسف في السجن لا يلج عليَّ ، فصدقها فحبسته ، فقال له صاحب السجن : من أنت ؟ قال : ولم تسألني من أنا ؟ قال : لأني أحبك ، قال : أعوذ بالله من حبك ، أحبني والدي ، فلقيت من إخوتي ما لقيت ، وأحبتني امرأة العزيز ، فلقيت من حبها ما لقيت ، فلا حاجة لي في حب أحد إلا في إلهي الذي في السماء ، قال : أخبرني من أنت ؟ قال : أنا يوسف نبي الله ، ابن يعقوب صفي الله ابن إسحاق ذبيح الله ، ابن إبراهيم خليل الله ، وكان يوسف في السجن يؤنس الحزين ، ويطمئن الخائف ، ويقوم على المريض ، ويعبر لهم الرؤيا .