Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 60-73)
Tafsir: Tafsīr Muqātil ibn Sulaymān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ } ، يوشع بن نون ، وهو ابن أخت موسى ، من سبط يوسف بن يعقوب ، عليهم السلام : { لاۤ أَبْرَحُ } ، يعني لا أزال أطلب الخضر ، وهو من ولد عاميل ، من بني إسرائيل ، { حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ ٱلْبَحْرَيْنِ } ، يقال لأحدهما : الرش ، وللآخر : الكر ، فيجتمعان فيصيران نهراً واحداً ، ثم يقع في البحر من وراء أذربيجان ، { أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً } [ آية : 60 ] ، يعني دهراً ، ويقال : الحقب ثمانون سنة . { فَلَمَّا بَلَغَا } ، يعني موسى ويوشع بن نون ، { مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا } بين البحرين ، { نَسِيَا حُوتَهُمَا } ، وذلك أن موسى ، عليه السلام ، لما علم ما في التوراة ، وفيها تفصيل كل شىء ، قال له رجل من بني إسرائيل : هل في الأرض أحد أعلم منك ؟ قال : لا ، ما بقي أحد من عباد الله هو أعلم مني ، فأوحى الله عز وجل إليه : أن رجلاً من عبادي يسكن جزائر البحر ، يقال له : الخضر ، هو أعلم منك ، قال : فيكف لي به ؟ قال جبريل ، عليه السلام : احمل معك سمكة مالحة ، فحيث تنساها تجد الخضر هنالك . فسار موسى ويوشع بن نون ، ومعهما خبز وسمكة مالحة في مكتل على ساحل البحر ، فأوى إلى الصخرة قليلاً والصخرة بأرض تسمى : مروان ، على ساحل بحر أيلة ، وعندها عين تسمى : عين الحياة ، فباتا عندنا تلك الليلة ، وقرب موسى المكتل من العين وفيها السمكة ، فأصابها الماء فعاشت ، ونام موسى ، فوقعت السمكة في البحر ، فجعل لا يمس صفحتها شىء من الماء إلا انفلق عنه ، فقام الماء من كل جانب ، وصار أثر الحوت في الماء كهيئة السرب في الأرض ، واقتصد الحوت في مجراه ليلحقاه ، فذلك قوله سبحانه : { فَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي ٱلْبَحْرِ سَرَباً } [ آية : 16 ] ، يعني الحوت اتخذ سبيله ، يعني طريقه في البحر سرباً ، يقول : كهيئة فم القربة . فلما أصبحا ومشيا ، نسي يوشع بن نون أن يخبر موسى ، عليه السلام ، بالحوت حتى أصبحا وجاعا ، { فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ } موسى { لِفَتَاهُ } ، ليوشع : { آتِنَا غَدَآءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَـٰذَا نَصَباً } [ آية : 62 ] ، يعني مشقة في أبداننا ، مثل قوله سبحانه : { أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } [ ص : 41 ] ، يعني مشقة . { قَالَ } يوشع لموسى : { أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى ٱلصَّخْرَةِ } ، يعني انتهينا إلى الصخرة ، وهي في الماء ، { فَإِنِّي نَسِيتُ ٱلْحُوتَ } ، أن أذكر لك أمره ، { وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ ٱلشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ } ، يعني موسى ، عليه السلام ، طريقه { فِي ٱلْبَحْرِ عَجَباً } [ آية : 63 ] ، فعجب موسى من أمر الحوت . فلما أخبر يوشع موسى ، عليه السلام ، بأمر الحوت ، { قَالَ } موسى : { ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَٱرْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصاً } [ آية : 64 ] ، يقول : فرجعا يقصان آثارهما ، كقوله سبحانه في القصص : { قُصِّيهِ } [ القصص : 11 ] ، يعني اتبعي أثره ، فأخذا ، يعني موسى ويوشع ، في البحر في أثر الحوت ، حتى لقيا الخضر ، عليه السلام ، في جزيرة في البحر . فذلك قوله سبحانه : { فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَآ } ، قائماً يصلي ، { آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا } ، يقول : أعطيناه النعمة ، وهي النبوة ، { وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً } [ آية : 65 ] ، يقول : من عندنا علماً ، وعلى الخضر ، عليه السالم ، جبة صوف ، واسمه : اليسع ، وإنما سمى اليسع ؛ لأن علمه وسع ست سموات وست أرضين ، فأتاه موسى ويوشع من خلفه ، فسلما عليه ، فأنكر الخضر السلام بأرضه وانصرف ، فرأى موسى فعرفه ، فقال : وعليك السلام يا نبي إسرائيل ، فقال موسى : وما يدريك أني نبي بني إسرائيل ؟ قال : أدراني الذي أرشدك إليَّ وأدراك بي . { قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً } [ آية : 66 ] ، يعني علماً ، قال الخضر عليه السلام : كفى بالتوراة علماً ، وببنى إسرائيل شغلاً ، فأعاد موسى الكلام . فـ { قَالَ } الخضر : { إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } [ آية : 67 ] ، قال موسى : ولم ؟ قال : لأني أعمل أعمالاً لا تعرفها ، ولا تصبر على ما ترى من العجائب حتى تسألني عنه . { وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً } [ آية : 68 ] ، يعني علماً . { قَالَ سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ صَابِراً } ، قال مقاتل : فلم يصبر مولى ، ولم يأثم بقوله : { سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ صَابِراً } ، على ما رأى من العجائب ، فلا أسألك عنها ، { وَلاَ أَعْصِي لَكَ أمْراً } [ آية : 69 ] فيما أمرتني به ، أو نهتنى عنه . { قَالَ } الخضر ، عليه السلام ، { فَإِنِ ٱتَّبَعْتَنِي فَلاَ تَسْأَلْني عَن شَيءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً } [ آية : 70 ] ، يقول : حتى أبين لك بيانه . { فَٱنْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي ٱلسَّفِينَةِ خَرَقَهَا } ، فمرت سفينة فيها ناس ، فقال الخضر : يا أهل السفينة ، احملونا معكم في بحر أيلة ، قال بعضهم : إن هؤلاء لصوص ، فلا تحملوهم معنا ، قال صاحب السفينة : أرى وجوه أنبياء ، وما هم بلصوص ، فحملهم بأجر ، فعمد الخضر فضرب ناحية السفينة بقدوم فخرقها ، فدخل الماء فيها ، فعمد موسى ، فأخذ ثياباً فدسها في خرق السفينة ، فلم يدخل الماء ، وكان موسى ، عليه السلام ، ينكر الظلم ، فقام موسى إلى الخضر ، عليهما السلام ، فأخذ بلحيته ، و { قَالَ } له موسى : { أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً } [ آية : 71 ] ، يعني لقد أتيت أمراً منكراً ، فالتزمه الخضر ، وذكره الصحبة ، وناشده بالله ، وركب الخضر على الخرق ؛ لئلا يدخلها الماء . { قَالَ } له الخضر ، { أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } [ آية : 72 ] ، على ما ترى من العجائب ، قال يوشع لموسى : اذكر العهد الذى أعطيته من نفسك . { قَالَ } موسى : { لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي } ، يعني تغشيني ، { مِنْ أَمْرِي عُسْراً } [ آية : 73 ] ، يعني من قولي عسراً ، ثم قعد موسى مهموماً يقول في نفسه : لقد كنت غنياً عن اتباع هذا الرجل ، وأنا في بني إسرائيل أقرئهم كتاب الله عز وجل غدوة وعشياً ، فعلم الخضر ما حدث به موسى نفسه ، وجاء طير يدور ، يرون أنه خطاف ، حتى وقع على ساحل البحر ، فنكث بمنقاره في البحر ، ثم وقع على صدر السفينة ، ثم صوت ، فقال الخضر لموسى : أتدرك ما يقول هذا الطائر ؟ قال موسى : لا أدري ، قال الخضر ، يقول : ما علم الخضر وعلم موسى في علم الله إلا كقدر ما رفعت بمنقاري من ماء البحر في قدر البحر .