Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 229-232)
Tafsir: Tafsīr Muqātil ibn Sulaymān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم نسختها الآية التى بعدها ، فأنزل الله بعد ذلك بأيام يسيرة ، فبين للرجل كيف يطلق المرأة ، وكيف تعتد ، فقال : { ٱلطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ } ، يعنى بإحسان ، { أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } ، يعنى التطليقة الثالثة فى غير ضرار ، كما أمر الله سبحانه فى وفاء المهر ، { وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ } إذا أردتم طلاقها { أَن تَأْخُذُواْ مِمَّآ آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً } ، وذلك أن الرجل كان إذا طلق امرأته ، أخرجها من بيته ، فلا يعطيها شيئاً من المهر ، ثم استثنى ورخص ، فقال سبحانه : { إِلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ } ، يعنى أمر الله عز وجل فيما أمرهما ، وذلك أن تخاف المرأة الفتنة على نفسها ، فتعصى الله فيما أمرها زوجها ، أو يخاف الزوج أن لم تطعه امرأته أن يعتدى عليها ، يقول سبحانه : { فَإِنْ خِفْتُمْ } ، يعني علمتم ، { أَلاَّ يُقِيمَا } ، يعنى الحاكم ، { حُدُودَ ٱللَّهِ } ، يعنى أمر الله فى أنفهسما إن نشزت عليه ، { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا } ، يعنى الزوج والزوجة ، { فِيمَا ٱفْتَدَتْ بِهِ } من شىء ، يقول : لا حرج عليهما إذا رضيا أن تفتدي منه ويقبل منها الفدية ثم يفترقا ، وكانت نزلت فى ثابت بن قيس بن شماس الأنصارى من بنى الحارث بن الخزرج ، وفى امرأته أم حبيبة بنت عبدالله بن أبي رأس المنافقين ، وكان أمهرها حديقة فردتها عليه ، واختلعت منه ، فهي أول خلعة كانت فى الإسلام ، ثم قال : { تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ } ، يعنى أمر الله فيهما ، { فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ } ، يقول : ومن يخالف أمر الله إلى غيره ، { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } [ آية : 229 ] لأنفسهم . ثم رجع إلى الآية الأولى فى قوله : { ٱلطَّلاَقُ مَرَّتَانِ } { فَإِنْ طَلَّقَهَا } بعد التطليقتين تطليقة أخرى ، سواء أكان بها حبل أم لا ، { فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ } فيجامعها ، فنسخت هذه الآية الآية التى قبلها فى قوله عز وجل { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ } ، ونزلت { فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ } فى تميمة بنت وهب بن عتيك النقرى ، وفى زوجها رفاعة بن عبد الرحمن بن الزبير ، وتزوجها عبدالرحمن بن الزبير القرظى ، يقول : { فَإِن طَلَّقَهَا } الزوج الأخير عبدالرحمن ، { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ } ، يعنى الزوج الأول رفاعة ، ولا على المرأة تميمة ، { أَن يَتَرَاجَعَآ } بمهر جديد ونكاح جديد ، { إِن ظَنَّآ } ، يعنى إن حسبا ، { أَن يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ } أمر الله فيما أمرهما ، { وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ } ، يعنى أمر الله فى الطلاق ، يعنى ما ذكر من أحكام الزوج والمرأة فى الطلاق وفي المراجعة ، { يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } [ آية : 230 ] . { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ } واحدة ، { فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } ، يعني انقضاء عدتهن من قبل أن تغتسل من قرئها الثالث ، { فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } ، يعنى بإحسان من غير ذرار ، فيوفيها المهر والمتعة ، نزلت فى ثابت بن ياسر الأنصارى فى الطعام والكسوة وغير ذلك ، فقال سبحانه : { وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً } ، وذلك أنه طلق امرأته ، فلما أرادت أن تبين منه راجعها ، فما زال يضارها بالطلاق ويراجعها ، يريد بذكل أن يمنعها من الزواج لتفتدي منه ، فذلك قوله سبحانه { لِّتَعْتَدُواْ } ، وكان ذلك عدواناً ، { وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُوۤاْ آيَاتِ ٱللَّهِ هُزُواً } ، يعني استهزاء فيما أمر الله عز وجل فى كتابه من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ، ولا تتخذوها لعباً ، { وَٱذْكُرُواْ } ، يعنى واحفظوا { نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } بالإسلام ، { وَ } احفظوا { وَمَآ أَنزَلَ } الله { عَلَيْكُمْ مِّنَ ٱلْكِتَابِ } ، يعنى القرآن { وَٱلْحِكْمَةِ } والموعظة التى فى القرآن من أمره ونهيه ، يقول : { يَعِظُكُمْ بِهِ } ، يعنى بالقرآن ، { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } ، يعظكم فلا تعصوه فيهن ، ثم حذرهم ، فقال : { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ } من أعمالكم { عَلِيمٌ } [ آية : 231 ] ، فيجزيكم بها . { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ } تطليقة واحدة ، { فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } ، يقول : انقضت عدتهن ، نزلت فى أبى البداح بن عاصم بن عدى الأنصارى ، من بنى العجلان الأنصارى ، وهو حي من قضاعة ، وفى امرأته جمل بنت يسار المزنى ، بانت منه بتطليقة ، فأراد مراجعتها ، فمنعها أخوها ، وقال : لئن فعلت لا أكلمك أبداً ، أنكحتك وأكرمتك وآثرتك على قومي فطلقتها ، وأجحفت بها ، والله لا أزوجكها أبداً ، فقال الله عز وجل ، يعني معقل : { فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ } ، يعني فلا تمنعوهن أن يراجعن أزواجهن ، { إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُمْ بِٱلْمَعْرُوفِ } ، يعني بمهر جديد ونكاح جديد ، { ذٰلِكَ } الذى ذكر من النهي ألا يمنعها من الزوج ذلك ، { يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } ، يعني يصدق بالله بأنه واحد لا شريك له ، ويصدق بالبعث الذى فيه جزاء الأعمال ، فليفعل ما أمره الله عز وجل من المراجعة ، { ذٰلِكُمْ أَزْكَىٰ لَكُمْ } ، يعنى خير لكم من الفرقة { وَأَطْهَرُ } لقلوبكم من الريبة ، { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ } حب كل واحد منهما لصاحبه ، { وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } [ آية : 232 ] ذلك منهما . فلما نزلت هذه الآية ، قال صلى الله عليه وسلم : " يا معقل ، إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر ، فلا تمنع أختك فلاناً ، يعنى أبا البداح ، قال : فإنى أنا أؤمن بالله واليوم الآخر ، وأشهدك أنى قد أنكحته " .