Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 10-18)

Tafsir: Tafsīr Muqātil ibn Sulaymān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم قال الله عز وجل : { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ } يعني ونعمته لأظهر المريب يعني الكاذب منهما ، ثم قال { وَأَنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ } على التائب { حَكِيمٌ } [ آية : 10 ] حكم الملاعنة ، ثم قال عز وجل : { إِنَّ ٱلَّذِينَ جَآءُوا بِٱلإِفْكِ } يعني بالكذب { عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ } وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم انطلق غازياً ، وانطلقت معه عائشة بنت أبي بكر ، رضي الله عنهما ، زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، ومع النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ رفيق له ، يقال له : صفوان بن معطل ، من بنى سليم ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سار ليلاً مكث صفوان في مكانه ، حتى يصبح ، فإن سقط من المسلمين شىء من متاعهم حمله إلى العسكر فعرفه ، فإذا جاء صاحبه دفعه إليه ، وأن عائشة ، رضى الله عنها ، لما نودي بالرحيل ذات ليلة ركبت الرحل ، فدخلت هودجها ، ثم ذكرت حلياً كان لها نسيته في المنزل ، فنزلت لتأخذ الحلي ، ولا يشعر بها صاحب البعير ، فانبعث فسار مع المعسكر ، فلما وجدت عائشة ، رضي الله عنها ، حليها ، وكان جزعاً ظفارياً لا ذهب فيه ، ولا فضة ، ولا جوهر ، فإذا البعير قد ذهب ، فجعلت تمشي على إثره وهى تبكي ، وأصبح صفوان بن المعطل في المنزل ، ثم سار في أثر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فإذا هو بعائشة ، رضي الله عنها ، قد غطت وجهها تبكي ، فقال صفوان : من هذا ؟ فقالت : أنا عائشة ، فاسترجع ونزل عن بعيره ، وقال : ما شأنك يا أم المؤمنين ؟ فحدثته بأمر الحلي فحملها على بعيره ، ونزل النبي صلى الله عليه وسلم ففقد عائشة ، رضى الله عنها ، فلم يجدها فلبثوا ما شاء الله ، ثم جاء صفوان وقد حملها على بعيره فقذفها عبد الله بن أبي ، وحسان بن ثاتب ومسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف ، وحمنة بنت جحش أخت عبد الله بن جحش الأسدي . يقول الله تعالى : { لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ } لأنكم تؤجرون على ما قد قيل لكم من الأذى { بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } حين أمرتم بالتثبت والعظة { لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ مَّا ٱكْتَسَبَ مِنَ ٱلإِثْمِ } على قدر ما خاض فيه من أمر عائشة ، رضي الله عنها ، وصفوان بن المعطل السلمي ، { وَٱلَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ } يعني عظمة منهم ، يعني من العصبة ، وهو عبد الله ابن أبي رأس المنافقين ، وهو الذي قال : ما برئت منه ، وما برئ منها ، { لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [ آية : 11 ] أي شديد . ففى هذه الآية عبرة لجميع المسلمين إذا كانت خطيئة ، فمن أعلن عليها بفعل ، أو كلام ، أو عرض ، أو أعجبه ذلك ، أو رضى به ، فهو شريك في تلك الخطيئة على قدر ما كان بينهم ، والذي تولى كبره ، يعني الذي ولى الخطيئة بنفسه ، فهو أعظم إثماً عند الله ، وهو المأخوذ به ، قال : فإذا كانت خطيئة بين المسلمين فمن شهد وكره ، فهو مثل الغائب ، ومن غاب ورضي فهو كمن شهد ، ثم وعظ الذين خاضوا في أمر عائشة ، رضي الله عنها ، فقال : { لَّوْلاۤ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ } يقول : هلا إذ سمعتم قذف عائشة رضي الله عنها ، بصفوان كذبتم به ألا { ظَنَّ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ } لأن فيهم حمنة بنت جحش { بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً } يقول : ألا ظن بعضهم ببعض خيراً بأنهم لم يزنوا { وَ } ألا { وَقَالُواْ هَـٰذَآ إِفْكٌ مُّبِينٌ } [ آية : 12 ] يقول : ألا قالوا هذا القذف كذب بين ، ثم ذكر الذين قذفوا عائشة ، فقال : { لَّوْلاَ } يعني هلا { جَآءُوا عَلَيْهِ } يعني على القذف { بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِالشُّهَدَآءِ } : بأربعة شهداء { فَأُوْلَـٰئِكَ عِندَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْكَاذِبُونَ } [ آية : 14 ] يقول : لأصابكم فيما قلتم من القذف العقوبة في الدنيا والآخرة ، فيها تقديم { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ } لأصابكم فيما قلتم من القذف العقوبة في الدنيا والآخرة ، فيها تقديم { فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَآ أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [ آية : 14 ] يقول لأصابكم فيما قلتم من القذف العقوبة في الدنيا والآخرة ، فيها تقديم { إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ } يقول : إذ يرويه بعضكم عن بعض { وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ } يعني بألسنتكم { مَّا لَّيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ } يقول : من غير أن تعلموا أن الذي قلتم من القذف حق { وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً } يقول : تحسبون القذف ذنباً هيناً { وَهُوَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمٌ } [ آية : 15 ] في الوزر ، ثم وعظ الذين خاضوا في أمر عائشة ، رضي الله عنها ، فقال سبحانه : { وَلَوْلاۤ } يعني هلا { إِذْ سَمِعْتُمُوهُ } يعني القذف { قُلْتُمْ مَّا يَكُونُ لَنَآ } يعني ما ينبغى لنا { أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَـٰذَا } الأمر هلا قلتم مثل ما قال سعد بن معاذ ، رضي الله عنه ، وذلك أن سعداً لما سمع القول في أمر عائشة ، قال : سبحانك هذا بهتان عظيم . ثم قال عز وجل : ألا قلتم { سُبْحَانَكَ } يعني ألا نزهتم الرب جل جلاله عن أن يعصى وقلتم { هَـٰذَا } القول { بُهْتَانٌ عَظِيمٌ } [ آية : 16 ] لشدة قولهم ، والبهتان الذي يبهت ، فيقول ما لم يكن من قذف أو غيره ، ثم وعظ الذين خاضوا في أمر عائشة رضى الله عنها ، فقال : { يَعِظُكُمُ ٱللَّهُ أَن تَعُودُواْ لِمِثْلِهِ أَبَداً } يعني القذف أبداً { إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ } [ آية : 17 ] { وَيُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلآيَاتِ } يعني أموره { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [ آية : 18 ] .