Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 38-44)

Tafsir: Tafsīr Muqātil ibn Sulaymān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قَالَ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } [ آية : 38 ] يعني مخلصين بالتوحيد ، وإنما علم سليمان أنها تسلم ، لأنه أوحى إليه بذلك ، فلذلك قال : { قَبْلَ أَن يَأْتُونِى مُسْلِمِينَ } فيحرم علىّ سريرها لأن الرجل إذا أسلم حرم ماله ودمه ، وكان سريرها من ذهب قوائمه اللؤلؤ والجوهر ، مستور بالحرير والديباج ، عليه الحجلة . { قَالَ عِفْرِيتٌ مِّن ٱلْجِنِّ } يعني مارد من الجن اسمه : الحقيق ، { أَنَاْ آتِيكَ بِهِ } يعني سريرها { قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ } يعني من مجلسك ، وكان سليمان ، عليه السلام ، يجلس للناس غدوة فيقضى بينهم حتى يضحى الضحى الأكبر ، ثم يقوم ، فقال : أنا آتيك به قبل أن تحضر مقامك وذلك أنى أضع قدمى عند منتهى بصرى فليس شىء أسرع منى ، فآتيك بالعرش ، وأنت في مجلسك ، { وَإِنِّي عَلَيْهِ } يعني على حمل السرير { لَقَوِيٌّ } على حمله { أَمِينٌ } [ آية : 39 ] على ما في السرير من المال . قال سليمان أريد أسرع من ذلك : { قَالَ ٱلَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ ٱلْكِتَابِ } وهو رجل من الإنس من بني إسرائيل كان يعلم اسم الله الأعظم ، وكان الرجل اسمه آصف بن برخيا بن شمعيا بن دانيال { أَنَاْ آتِيكَ بِهِ } بالسرير { قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ } الذي هو على منتهى بصرك ، وهو جاءٍ إليك ، فقال سليمان : لقد أسرعت أن فعلت ذلك ، فدعا الرجل باسم الله الأعظم ، ومنه ذو الجلال والإكرام ، فاحتمل السرير احتمالاً فوضع بين يدى سليمان ، وكانت المرأة قد أقبلت إلى سليمان حين جاءها الوفد ، وخلفت السرير في أرضها باليمن في سبعة أبيات بعضها في بعض أقفالها من حديد ، ومعها مفاتيح الأبيات السبعة ، { فَلَمَّا رَآهُ } فلما رأى سليمان العرش { مُسْتَقِرّاً عِندَهُ } تعجب منه فـ { قَالَ هَـٰذَا } السرير { مِن فَضْلِ رَبِّي } أعطانيه { لِيَبْلُوَنِيۤ } يقول : ليختبرنى { أَأَشْكُرُ } الله عز وجل في نعمه حين أتيت العرش { أَمْ أَكْفُرُ } بنعم الله إذا رأيت من هو دونى أعلم منى ، فعزم الله عز وجل له على الشكر . فقال عز وجل : { وَمَن شَكَرَ } في نعمه { فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ } يقول : فإنما يعمل لنفسه { وَمَن كَفَرَ } النعم { فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ } عن عبادة خلقه { كَرِيمٌ } [ آية : 40 ] مثلها في لقمان : { فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ } [ الآية : 12 ] . { قَالَ } سليمان : { نَكِّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا } زيدوا في السرير ، وانقصوا منه ، { نَنظُرْ } إذا جاءت { أَتَهْتَدِيۤ أَمْ تَكُونُ مِنَ ٱلَّذِينَ لاَ يَهْتَدُونَ } [ آية : 41 ] يقول : أتعرف العرش أم تكون من الذين لا يعرفون ؟ . { فَلَمَّا جَآءَتْ } المرأة { قِيلَ } لها { أَهَكَذَا عَرْشُكِ } ؟ فأجابتهم فـ { قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ } وقد عرفته ولكنها شبهت عليهم كما شبهوا عليها ، ولو قيل لها : هذا عرشك ؟ لقالت : نعم ، قيل لها : فإنه عرشك فما أغنى عنه إغلاق الأبواب ؟ يقول سليمان : { وَأُوتِينَا ٱلْعِلْمَ } من الله عز وجل { مِن قَبْلِهَا } يعني من قبل أن يجىء العرش والصرح وغيره ، { وَكُنَّا مُسْلِمِينَ } [ آية : 42 ] يعني وكنا مخلصين بالتوحيد من قبلها . { وَصَدَّهَا } عن الإسلام { مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ ٱللَّهِ } من عبادة الشمس { إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ } [ آية : 43 ] { قِيلَ لَهَا ٱدْخُلِي ٱلصَّرْحَ } وهو قصر من قوارير على الماء تحته السمك ، { فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً } يعني غدير الماء { وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا } يعني رجليها لتخوض الماء إلى سليمان وهو على السرير في مقدم البيت ، وذلك أنها لما أقبلت قالت الجن : لقد لقينا من سليمان ما لقينا من التعب ، فلو قد اجتمع سليمان وهذه المرأة وما عندها من العلم لهلكنا ، وكانت أمها جنية ، فقالوا : تعالوا نبغضها إلى سليمان ، نقول : إن رجليها مثل حوافر الدواب ، لأن أمها كانت جنية ، ففعلت ، فأمر سليمان فبنى لها بيتاً من قوارير فوق الماء ، وأرسل فيه السمك لتحسب أنه الماء ، فتكشف عن رجليها فينظر سليمان أصدقته الجن أم كذبته ، وجعل سريره في مقدم البيت ، فلما رأت الصرح حسبته لجة الماء وكشفت عن ساقيها ، فنظر إليها سليمان ، فإذا هي من أحسن الناس قدمين ورأى على ساقها شعراً كثيراً فكره سليمان ذلك ، فقالت : إن الرمانة لا تدري ما هي حتى تذوقها ، قال سليمان : ما لا يحلو في العين لا يحلو في الفم فلما رأت الجن أن سليمان رأى ساقيها ، قالت الجن : لا تكشفى عن ساقيك { قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ } يعني أملس { مِّن قَوارِيرَ } فلما رأت السير والصرح علمت أن ملكها ليس بشيء عند ملك سليمان ، وأن ملكه من ملك الله عز وجل . فـ { قَالَتْ } حين دخلت الصرح { رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي } يعني بعبادتها الشمس { وَأَسْلَمْتُ } يعني أخلصت { مَعَ سُلَيْمَانَ } بالتوحيد { لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ آية : 44 ] خرت لله عز وجل ساجدة ، وتابت إلى الله عز وجل من شركها . واتخذها سليمان عليه السلام لنفسه ، فولدت له داود بن سليمان بن داود ، عليهم السلام ، وأمر لها بقرية من الشام يجى لها خراجها ، وكانت عذراً فاتخذ الحمامات من أجلها . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " كانت من أحسن نساء العالمين ساقين ، وهي من أزواج سليمان في الجنة " ، فقالت عائشة ، رضى الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم : هي أحسن ساقين مني ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " أنت أحسن ساقين منها في الجنة "