Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 41-43)

Tafsir: Tafsīr Muqātil ibn Sulaymān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ } ، يعنى صدقنا بألسنتهم ، { وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ } فى السر ، نزلت فى أبى لبابة ، اسمه : مروان بن عبد المنذر الأنصارى ، من بنى عمرو بن عوزف ، وذلك أنه أشار إلى أهل قريظة إلى حلقه أن محمداً جاء يحكم فيكم بالموت ، فلا تنزلوا على حكم سعد بن معاذ ، وكان حليفاً لهم ، ثم قال سبحانه : { وَمِنَ ٱلَّذِينَ هِادُواْ } ، أى ولا يحزنك الذين هادوا ، يعنى يهود المدينة ، { سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ } ، يعنى قوالون للكذب ، منهم : كعب ابن الأشرف ، وكعب بن أسيد ، وأبو لبابة ، وسعيد بن مالك ، وابن صوريا ، وكنانة بن أبى الحقيق ، وشاس بن قيس ، وأبو رافع بن حريملة ، ويوسف بن عازر بن أبى عازب ، وسلول بن أبى سلول ، والبخام بن عمرو ، وهم { سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ } ، يعنى يهود خيبر ، { لَمْ يَأْتُوكَ } يا محمد { يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ } ، يعنى أمر الرجم ، { مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ } عن بيانه فى التوراة . وذلك أن رجلاً من اليهود يسمى يهوذا ، وامرأة تسمى بسرة من أهل خيبر من أشراف اليهود ، زنيا وكانا قد أحصنا ، فكرهت اليهود رجمهما من أجل شرفهما وموضعهما ، فقالت يهود خيبر ، نبعث بهذين إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، فإن فى دينه الضرب ، وليس فى دينه الرجم ، ونوليه الحكم فيهما ، فإن أمركم فيهما بالضرب فخذوه ، وإن أمركم فيهما بالرجم فاحذروه ، فكتب يهود خيبر إلى يهود المدينة ، إلى كعب بن الأشرف ، وكعب بن أسيد ، ومالك بن الضيف ، وأبى لبابة ، وبعثوا نفراً منهم ، فقالوا : سلوا لنا محمداً ، عليه السلام ، عن الزانيين إذا أحصنا ما عليهما ؟ فإن أمركم بالجلد فخذوا به ، والجلد الضرب بحبل من ليف مطلى بالقار ، وتسود وجوههما ويحملان على حمار ، وتجعل وجوههما مما يلى ذنب الحمار ، فذلك التجبية . { يَقُولُونَ } ، أى اليهود ، { إِنْ أُوتِيتُمْ هَـٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَٱحْذَرُواْ } ، أى إن أمركم بالرجم فاحذروه على ما فى أيديكم أن يسلبكموه ، قال : " فجاء كعب بن الأشرف ، ومالك بن الضيف ، وكعب بن أسيد ، وأبو لبابة ، إلى النبى صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : أخبرنا عن الزانيين إذا أحصنا ما عليهما ، فأتاه جبريل ، عليه السلام ، فأخبره بالرجم ، ثم قال جبريل عليه السلام : اجعل بينك وبينهم ابن صوريا ، وسلهم عنه ، فمشى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى أحبارهم فى بيت المدارس ، فقال : " يا معشر اليهود ، أخرجوا إلىَّ علماءكم " ، فأخرجوا إليه عبدالله بن صوريا ، وأبا ياسر بن أخطب ، ووهب بن يهوذا ، فقالوا : هؤلاء علماؤنا ، ثم حصر أمرهم ، إلى أن قالوا لعبد الله بن صوريا : هذا أعلم من بقى بالتوراة ، فجاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم . وكان ابن صوريا غلاماً شاباً ، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالله بن سلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنشدك بالله الذى لا إله إلا هو إله بنى إسرائيل ، الذى أخركم من مصر ، وفلق لكم البحر ، وأنجاكم وأغرق آل فرعون ، وأنزل عليكم كتابه يبين لكم حلاله وحرامه ، وظلل عليكم المن والسلوى ، هل وجدتم فى كتابكم أن الرجم على من أحصن ؟ " ، قال ابن صوريا : اللهم نعم ، ولولا أنى خفت أن أحترق بالنار ، أو أهلك بالعذاب ، لكتمتك حين سألتنى ، ولم أعترف لك ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الله أكبر ، فأنا أول من أحيا سُنة من سنن الله عز وجل " ، ثم أمر بهما فرجما عند باب مسجده فى بنى غنم بن مالك بن النجار . فقال عبدالله بن صوريا : والله يا محمد ، إن اليهود لتعلم أنك نبى حق ، ولكنهم يحسدونك ، ثم كفر ابن صوريا بعد ذلك ، فأنزل الله عز وجل : { يَا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ ٱلْكِتَابِ } ، يعنى ما فى التوراة من أمر الرجم ، ونعت محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : { وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ } ، فلا يخبر به ، فقال النبى صلى الله عليه وسلم لليهود : " إن شئتم أخبرتكم بالكثير " ، قال ابن صوريا : أنشدك بالله أن تخبرنا بالكثير مما أمرت أن تعفو عنه . ثم قال ابن صوريا للنبى صلى الله عليه وسلم : أخبرنى عن ثلاث خصال لا يعلمهن إلا نبى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هات ، سل عما شئت " ، قال : أخبرنى عن نومك ؟ قال : " تنام عينى وقلبى يقظان " ، قال ابن صوريا : صدقت ، قال : فأخبرنى عن شبه الولد ، من أين يشبه الأب أو الأم ؟ قال : " أيهما سبقت الشهوة له كان الشبه له " ، قال : صدقت ، قال : أخبرنى ما للرجل وما للمرأة من الولد ، ومن أيهما يكون ؟ قال النبى صلى الله عليه وسلم : " اللحم والدم والظفر والشعر للمرأة ، والعظم والعصب والعروق للرجل " ، قال : صدقت ، قال : فمن وزيرك من الملائكة ، ومن يجيئك بالوحى ؟ قال : " جبريل عليه السلام " ، قال : صدقت يا محمد ، وأسلم عند ذلك . " قوله سبحانه : { إِنْ أُوتِيتُمْ هَـٰذَا فَخُذُوهُ } ، يقول ذلك يهود خيبر ليهود المدينة ، كعب بن الأشرف ، ومالك بن الضيف ، وكعب بن أسيد ، وأبى لبابة : إن أمركم محمد بالجلد فاقبلوه ، وإن لم تؤتوه ، يعنى الجلد ، وإن أمركم بالرجم فاحذروا ، فإنه نبى ، قال الله عز وجل : { وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ } ، يعنى اليهود ، { لَمْ يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ } من الكفر حين كتموا أمر الرجم ونعت محمد صلى الله عليه وسلم ، { لَهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ } ، يعنى به اليهود ، وهم أهل قريظة ، أما الخزى الذى نزل بهم ، فهو القتل والسبى ، وأما خزى أهل النضير ، فهو الخروج من ديارهم وأموالهم وجناتهم ، فأجلوا إلى الشام ، إلى أذرعات وأريحا ، { وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [ آية : 41 ] ، يعنى ما عظم من النار . ثم قال : { سَمَّاعُونَ } ، يعنى قوالون ، { لِلْكَذِبِ } للزور ، منهم : كعب بن الأشرف ، وكعب بن أسيد ، ومالك بن الضيف ، ووهب بن يهوذا ، { أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ } ، يعنى الرشوة فى الحكم ، كانت اليهود قد جعلت لهم جعلاً فى كل سنة ، على أن يقضوا لهم بالجور ، يقول الله عز وجل : { فَإِن جَآءُوكَ } يا محمد فى الرجم ، { فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ } ، يعنى بالعدل ، { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ } [ آية : 42 ] ، يعنى الذين يعدلون فى الحكم ، ثم نسختها الآية التى جاءت بعد ، وهى قوله : { وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ } إليك فى الكتاب أن الرجم على المحصن والمحصنة ، ولا ترد الحكم ، { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ } ، يعنى كعب بن الأشرف ، وكعب بن أسيد ، ومالك بن الضيف . قال تعالى : { وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ ٱلتَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ ٱللَّهِ } ، يعنى الرجم على المحصن والمحصنة ، والقصاص فى الدماء سواء ، { ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ } ، يعنى يعرضون من بعد البيان فى التوراة ، { وَمَآ أُوْلَـٰئِكَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ } [ آية : 43 ] ، يعنى وما أولئك بمصدقين حين فرحوا ما فى التوراة .