Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 73-81)
Tafsir: Tafsīr Muqātil ibn Sulaymān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم خوفهم ، فقال : { وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ } ، يعنى بأنه لم يخلقها باطلاً لغير شىء ، ولكن خلقهما لأمر هو كائن ، { وَيَوْمَ يَقُولُ } الله للبعث مرة واحدة : { كُن فَيَكُونُ } ، لا يثنى الرب القول مرتين ، { قَوْلُهُ } فى البعث { ٱلْحَقُّ } ، يعنى الصدق ، وأنه كائن ، { وَلَهُ ٱلْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ } ، أى ينفخ إسرافيل ، { فِي ٱلصُّوَرِ عَالِمُ ٱلْغَيْبِ } ، يعلم غيب ما كان وما يكون ، ثم قال : { وَٱلشَّهَادَةِ } ، يعنى شاهد كل نجوى وكل شئ ، { وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ } ، يعنى حكم البعث ، { ٱلْخَبِيرُ } [ آية : 73 ] بالبعث متى يبعثهم . { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ } ، اسمه بكلام قومه : تارح : { أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّيۤ أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [ آية : 74 ] ، وولد إبراهيم بكوتى ، وذلك أن الكهنة قالوا لنمروذ الجبار : إنه يولد فى هذه السنة غلام يفسد آلهة أهل الأرض ، ويدعو إلى غير آلهتكم ، ويكون هلاك ملكك وهلاك أهل بيتك بسببه ، فقال نمروذ : إن دواء هذا لهين ، نعزل الرجال عن النساء ، ونعمد إلى كل غلام يولد فى هذه السنة فنقتله إلى أن تنقضى السنة ، فقالوا : إن فعلت ذلك ، وإلا كان الذى قلنا لك . فعمد نمروذ فجعل على كل عشرة رجال رجلاً ، وقال لهم : إذا طهرت المرأة فحولوا بينها وبين زوجها إلى أن تحيض ، ثم يرجع إلى امرأته إلى أن تطهر ، ثم يحال بينهما ، فرجع آزر إلى امرأته ، فجامعها على طهر فحملت ، قالت الكهنة : قد حمل به الليلة ، قال نمروذ : انظروا إلى كل امرأة استبان حملها ، فخلوا سبيلها ، وانظروا بقيتهن ، فلما دنا مخاض أم إبراهيم ، عليه السلام ، دنت إلى نهر يابس ، فولدت فيه ، ثم لفته فى خرقة ، فوضعته فى حلفاً ، ثم رجعت إلى بيتها ، فأخبرت زوجها بمكانه ، فعمد أبوه فحفر له سرباً فى الأرض ، ثم جعله فيه وسد عليه بصخرة مخافة السباع ، فكانت أمه تختلف إليه وترضعه حتى فطمته وعقل ، وكان ينبت فى اليوم نبات شهر ، وفى الشهر نبات سنة ، وفى السنة نبات سنتين ، فقال لأمه : من ربى ؟ قالت : أنا ، قال : من ربك ؟ قالت : أبوك ، قال : فمن رب أبى ؟ فضربته ، وقالت له : اسكت ، فسكت الصبى . ورجعت إلى زوجها ، فقالت : أرأيت الغلام الذى كنا نخبر أنه يغير دين أهل الأرض ؟ فهو ابنك ، وأخبرته الخبر ، فأتاه أبوه وهو فى السرب ، فقال : يا أبت ، من ربى ؟ قال : أمك ، قال : فمن رب أمى ؟ قال : أنا ، قال : فمن ربك ؟ فضربه ، وقال له : اسكت ، { وَكَذَلِكَ } ، يعنى هكذا ، { نُرِيۤ إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ } ، يعنى خلق { ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } ، وما بينهما من الآيات ، { وَلِيَكُونَ } إبراهيم { مِنَ ٱلْمُوقِنِينَ } [ آية : 75 ] بالرب أنه واحد لا شريك له . وذلك أن إبراهيم سأل ربه أن يريه ملكوت السموات والأرض ، فأمر الله جبريل ، عليه السلام ، فرفعه إلى الملكوت ينظر إلى أعمال العباد ، فرأى رجلاً على معصية ، فقال : يا رب ، ما أقبح أن يأتى هذا العبد ، اللهم اخسف به ، ورأى آخر فأعاد الكلام ، قال : فأمر الله جبريل ، عليه السلام ، أن يرده إلى الأرض ، فأوحى الله إليه : مهلاً يا إبراهيم ، فلا تدع على عبادى ، فإنى من عبادى على إحدى خصلتين : إما أن يتوب إلىّ قبل موته فأتوب عليه ، وإما أن يموت فيدع خلفاً صالحاً فيستغفر لأبيه فأغفر لهما بدعائه . { فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ ٱلْلَّيْلُ } ، دنا من باب السرب ، وذلك فى آخر الشهر ، فرأى الزهرة أول الليل من خلال السرب ومن وراء الصخرة ، والزهرة أحسن الكواكب ، { رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـٰذَا رَبِّي فَلَمَّآ أَفَلَ } ، يعنى غاب ، { قَالَ } إبراهيم : { لاۤ أُحِبُّ ٱلآفِلِينَ } [ آية : 76 ] ، يعنى الغائبين الذاهبين ، وربى لا يذهب ولا يغيب . { فَلَمَّآ } كان آخر الليل ، { رَأَى ٱلْقَمَرَ بَازِغاً } ، يعنى طالعاً أعظم وأضوأ من الكواكب ، { قَالَ هَـٰذَا رَبِّي } ، وهو ينظر إليه ، { فَلَمَّآ أَفَلَ } ، يعنى غاب ، { قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي } لدينه { لأَكُونَنَّ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلضَّالِّينَ } [ آية : 77 ] عن الهدى . { فَلَماَّ رَأَى ٱلشَّمْسَ بَازِغَةً } ، يعنى طالعة فى أول ما رآها ملأت كل شئ ضوءاً ، { قَالَ هَـٰذَا رَبِّي هَـٰذَآ أَكْبَرُ } ، يعنى أعظم من الزهرة والقمر ، { فَلَمَّآ أَفَلَتْ } ، يعنى غابت ، عرف أن الذى خلق هذه الأشياء دائم باق ، ورفع الصخرة ، ثم خرج فرأى قومه يعبدون الأصنام ، فقال لهم : ما تعبدون ؟ قالوا : نعبد ما ترى ، { قَالَ يٰقَوْمِ } ، عبادة رب واحد خير من عبادة أرباب كثيرة ، و { إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ } [ آية : 78 ] بالله من الآلهة ، قالوا : فمن تعبد يا إبراهيم ؟ قال : أعبد الله الذى خلق السموات والأرض حنيفاً ، يعنى مخلصاً لعبادته ، وما أنا من المشركين ، وذلك قوله : { إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ } ، يعنى دينى { لِلَّذِي فَطَرَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ حَنِيفاً } ، يعنى مخلصاً ، { وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [ آية : 79 ] . ثم إن نمروذ بن كنعان الجبار خاصم إبراهيم ، فقال : من ربك ؟ قال إبراهيم : ربى الذى يحيى ويميت ، وهو قوله : { وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ } ، فعمد نمروذ إلى إنسان فقتله ، وجاء بآخر فتركه ، فقال : أنا أحييت هذا وأمت ذلك ، قال إبراهيم : فإن الله يأتى بالشمس من المشرق ، فأت بها من المغرب ، فبهت الذى كفر ، يعنى نمروذ ، قوله : { وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ } ، وذلك أنهم لما سمعوا إبراهيم ، عليه السلام ، عاب آلهتهم وبرئ منها ، قالوا : لإبراهيم : إن لم تؤمن بآلهتنا ، فإنا نخاف أن تخبلك وتفسدك فتهلك ، فذلك قوله : { وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ } ، يعنى وخاصمه قومه ، { قَالَ أَتُحَاجُّوۤنِّي فِي ٱللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ } لدينه ، { وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ } ، يعنى بالله من الآلهة ، وهى لا تسمع ولا تبصر شيئاً ، ولا تنفع ولا تضر ، وتنحتونها بأيديكم ، { إِلاَّ أَن يَشَآءَ رَبِّي شَيْئاً } ، فيضلنى عن الهدى ، فأخاف آلهتكم أن تصيبنى بسوء ، { وَسِعَ } ، يعنى ملأ { رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً } ، فعلمه ، { أَفَلاَ } ، يعنى فهلا { تَتَذَكَّرُونَ } [ آية : 80 ] فتعتبرون . ثم قال لهم : { وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ } بالله من الآلهة ، { وَلاَ تَخَافُونَ } أنتم بـ { أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِٱللَّهِ } غيره ، { مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً } ، يعنى كتاباً فيه حجتكم بأن معه شريكاً ، ثم قال لهم : { فَأَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِٱلأَمْنِ } ، أنا أو أنتم ؟ { إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } [ آية : 81 ] من عبد إلهاً واحداً أحق بالأمن أم من عبد أرباباً شتى ، يعنى آلهة صغاراً وكباراً ، ذكوراً وإناثاً ، فكيف لا يخاف من الكبير إذا سوى بالصغير ؟ وكيف لا يخاف من الذكر إذا سوى بالأنثى ؟ أخبرونى أى الفريقين أحق بالأمن من الشر إن كنتم تعلمون .