Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 76, Ayat: 1-3)
Tafsir: Tafsīr Muqātil ibn Sulaymān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَانِ } يعني قد أتى على الإنسان { حِينٌ مِّنَ ٱلدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً } [ آية : 1 ] يعني به آدم لا يذكر ، وذلك أن الله خلق السماوات وأهلها ، والأرض وما فيها من الجن قبل أن يخلق آدم ، عليه السلام ، بواحد وعشرين ألف سنة ، وهي ثلاثة أسباع ، فكانوا لا يعرفون آدم ، ولا يذكرونه ، وكان سكان الأرض من الجن زماناً ودهراً ، ثم إنهم عصوا الله تعالى وضر بعضهم بعضاً ، فأرسل الله عليهم قبيلة من الملائكة ، يقال لهم : الجن وإبليس فيهم ، وكان اسم إبليس الحارث ، أرسلهم الله على الجن ، فطردوهم حتى أخرجوهم من الأرض إلى الظلمة خلف الحجاب ، وهو جبل تغيب الشمس خلفه ، وفى أصله ، وفيما بين ذلك الجبل وبين جبل قاف مسيرة سنة كلها ظلمة وماىء قائم ، ثم إن إبليس وجنده طهروا الأرض وعبدوه زماناً ، فلما أراد الله تعالى أن يخلق آدم ، صلى الله عليه ، أوحى إليهم أنى جاعل في الأرض خليفة يعبدوننى ويطهرون الأرض ، فردوا إلى الله قوله ، وإبليس منهم : فقالوا : ربنا أتجعل فيها من يفسد فيها ، يعني من يعصي فيها ، ويسفك الدماء ، كفعل الجن ، لا أنهم علموا الغيب ، ولكن قالوا ما عرفوا عن الجن الذين عصوا ربهم ، وقالوا : نحن نسبح بحمدك ونقدس لك ، يعني ونطهر لك الأرض ، فأوحى الله إليهم أني أعلم ما لا تعلمون ، ثم إن الله تبارك وتعالى ، قال : يا جبريل ائتنى بطين ، فهبط جبريل ، عليه السلام ، إلى الأرض فأخذ تراباً من تحت الكعبة وهو أديم الأرض وصب عليه الماء ، فتركه زماناً ، حتى أنتن الطين فصار فوقها طين حر ، وأسفلها حمأة . حدثني أبي ، قال : حدثنا الهذيل ، عن مقاتل بن سليمان ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " ما كان من الحر منها فهم أصحاب اليمين ، وما كان من الحمأة فهم من أصحاب الشمال " ، وذلك أن امرأ القيس بن عابس الكتمي ، ومالك بن الضيف اليهودي اختصما بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر آدم ، عليه السلام ، وخلقه ، فقال مالك بن الضيف : إنما نجد في التوراة أن الله خلق آدم حين خلق السماوات والأرض ، فأنزل الله عز وجل يكذب مالك بن الضيف اليهودى : فقال : { هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ ٱلدَّهْرِ } يعني واحداً وعشرين ألف سنة ، وهي ثلاثة أسباع ، بعد خلق السموات والأرض { لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً } يذكر ، ثم خلق ذريته ، فقال : { إِنَّا خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ } يعني ماء مختلطاً ، وهوماء الرجل ، وماء المرأة ، فإذا اختلطا ، فذلك المشج ، فماء الرجل غليظ أبيض ، فمنه العصب ، والعظم ، والقوة ، ونطفة المرأة صفراء رقيقة ، فمنها اللحم ، والدم ، والشعر ، والظفر ، فيختلطان فذلك الأمشاج ، فيها تقديم ، يقول : جعلناه سمعياً بصيراً لنبتليه . ثم قال : { فَجَعَلْنَاهُ } بعد النطفة { سَمِيعاً بَصِيراً } [ آية : 2 ] لنبتليه ، أي جعلناه نطفة ، علقة ، مضغة ، ثم صار إنساناً بعد ماء ودم { فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً } من بعد ما كان نطفة ميتة ، ثم قال : { إِنَّا هَدَيْنَاهُ ٱلسَّبِيلَ } يعني سبيل الضلالة والهدى { إِمَّا شَاكِراً } أن يكون { شَاكِراً } يعني موحداً في حسن خلقه لله تعالى { وَإِمَّا كَفُوراً } [ آية : 3 ] فلا يوحده ، وأيضاً إما شاكراً لله في حسن خلقه وإما كَفُوراً ، يجعل هذه النعم لغير الله ، ثم ذكر مستقر من أحسن من خلقه ، ثم كفر به وعبد غيره .