Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 78, Ayat: 17-30)
Tafsir: Tafsīr Muqātil ibn Sulaymān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فقال : { إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ } يعني يوم القضاء هو يوم القيامة بين الخلائق { كَانَ مِيقَاتاً } [ آية : 17 ] يعني كان ميقات الكافر ، وذلك أنهم كانوا يقولون : { مَتَىٰ هَذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [ يس : 48 ] فأنزل الله عز وجل يخبرهم بأن ميقات ذلك اليوم كائن يوم الفصل يا معشر الكفار ، فتجازون ما وعدكم على ألسنة الرسل ، ثم أخبرهم أيضاً فقال : { يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ } وذلك إن إسرافيل ، عليه السلام ، ينفخ فيها فيقول : أيتها العظام البالية ، وأيتها العروق المتقطعة ، وأيتها اللحوم المتمزقة ، وأيتها الأشعار الساقطة ، اجتمعن لننفخ فيكم أرواحكم ، وأجازكم بأعمالكم ويديم الملك الصوت ، فتجتمع الأرواح كلها في القرن ، والقرن طوله طول السموات والأرض ، فتخرج أرواحهم مثل النحل سود وبيض شقى وسعيد ، أرواح المؤمنين ، بيض كأمثال النحل من السماء إلى واد بدمشق يقال له : الجابية ، وتخرج أرواح الكفار من الأرض السلقى سود إلى واد بحضرموت يقال له : برهوت ، وكل روح أعرف بجسد صاحبه من أحدكم إلى منزله { فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً } [ آية : 18 ] ثم ينزل إسرافيل من فوق السماء السابعة ، فيجلس على صخرة ببيت المقدس ، فيأخذ أرواح الكفار والمؤمنين ويجعلهم في القرن ، ودائرة القرن مسيرة خمسمائة عام ، ثم تنفخ في القرن فتطير الأرواح حتى تطبق ما بين السماء والأرض ، فتذهب كل روح فتقع في جسد صاحبها ، فيخرج الناس من قبورهم فوجا ، فذلك قوله : { فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً } يعني زمراً زمراً ، وفرقاً فرقاً ، وأمماً أمماً ، { وَفُتِحَتِ ٱلسَّمَآءُ } يعني وفرجت السماء ، يعني وفتقت السماء فتقطعت { فَكَانَتْ أَبْوَاباً } [ آية : 19 ] يعني خللا خللا فشبها الله بالغيم إذا انكشفت بعد المطر ، ثم تهيج به الريح الشمال الباردة فينقطع فيصير كالأبواب { وَسُيِّرَتِ ٱلْجِبَالُ } يعني وانقلعت الجبال من أماكنها ، فطارت بين السماء والأرض من خشية الله ، فضرب الله لها مثلا ، فقال : { فَكَانَتْ سَرَاباً } [ آية : 20 ] يعني مثل السراب يكون بالقاع يحسبه الظمآن ماء ، فإذا أتاه لم يجده شيئاً ، فذلك قوله : { تَحْسَبُهَا جَامِدَةً } [ النمل : 88 ] يعني من بعيد يحسبها جبلا قائماً ، فإذا انتهى إليه ومسه لم يجده شيئاً ، فتصير الجبال أول مرة كالمهل ، ثم تصير الثانية كالعهن المنفوش ، ثم تذهب فتصير لا شىء فتراها تحسبها جبالا ، فإذا مسستها لم تجدها شيئاً ، فذلك قوله : { وَسُيِّرَتِ ٱلْجِبَالُ } يعني انقطعت الجبال من خشية الله عز وجل يوم القيامة فكانت سراباً فما حالك يا بن آدم . { إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً } [ آية : 21 ] { لِّلطَّاغِينَ } يعني الكافرين { مَآباً } [ آية : 22 ] يعني المشركين مرجعاً إليها نزلتفي الوليد بن المغيرة { لاَّبِثِينَ فِيهَآ } ثم ذكركم يلبثون في النار فلم يوقت لهم فقال : { لاَّبِثِينَ فِيهَآ } يعني في جهنم { أَحْقَاباً } [ آية : 23 ] يعني في جهنم أحقابا وهى سبعة عشر حقباً ، يعني الأزمنة والأحقاب لا يدرى عددها ، ولا يعلم منتهاهه إلا الله عز وجل ، الحقب الواحد ثمانون سنة ، السنة فيها ثلاثمائة وستون يوماً ، كل يوم فيها مقدار ألف سنة ، وكان هذا بمكة ، وأنزل الله عز وجل { لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا } في تلك الأحقاب { بَرْداً } يعني برد الكافور { وَلاَ شَرَاباً } [ آية : 24 ] يعني الخمر كفعل أهل الجنة ، ثم استثنى ، فقال : { إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً } [ آية : 25 ] { إِلاَّ حَمِيماً } يعني حاراً ، وأيضاً لا يذقون في جهنم برداً ولا شراباً ، يعني لا يذقون فيها روحا طيباً ، ولا شراباً بارداً ينفعهم من هذه النار . قال أبو محمد : قال أبو العباس أحمد بن يحيى ويقال : البرد : اليوم ، { إِلاَّ حَمِيماً } يعني بالحميم المذاب الذي قد انتهى حره ، { وَغَسَّاقاً } الذي قد انتهى برده ، وهو الزمهرير الذي انتهى برده { جَزَآءً وِفَاقاً } [ آية : 26 ] كما أنه ليسفي الأعمال أخبث من الشرك بالله عز وجل وكذلكم ليس من العذاب شىء أخبث من النار فوافقت النار الشرك ، ثم قال : { إِنَّهُمْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً } [ آية : 27 ] يعني أنهم كانوا لا يخافون من العذاب أن يحاسبوا بأعمالهم الخبيثة إذا عملوها ، قال : { وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } يعني القرآن { كِذَّاباً } [ آية : 28 ] يعني تكذيباً بما فيه من الأمر والنهي ، ثم رجع إلى أعمالهم الخبيثة فقال : { وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ } من الأعمال { كِتَاباً } [ آية : 29 ] يعني ثبتناه مكتوباً عندنا في كتاب حفيظ يعني اللوح المحفوظ { كِتَاباً } يعني ما عملوا من السيئات أثبتناه في اللوح المحفوظ مثلها ، في يس : { وَكُلَّ شيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِيۤ إِمَامٍ مُّبِينٍ } [ آية : 12 ] ثم رجع إلى أهل النار الذين قال فيهم : { لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً } [ النبأ : 23 ] فذكر أن الخزنة تقول لهم : { فَذُوقُواْ فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً } [ آية : 30 ] . قال مقاتل ، عن أبى الزبير ، عن جابر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : إنه قال : " الزيادة خمسة أنهار من تحت العرش على رؤس أهل النار ثلاثة أنها على مقدار الليل ، ونهران على مقدار النهار " ، كقوله في النحل : { زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ ٱلْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ } [ الآية : 88 ] . قال : { فَذُوقُواْ فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً } بعد هذه السنين ، فأما الزيادة فالأنهار ، أما الآن الذي ذكره الله عز وجل في الرحمن فليس له منتهى .