Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 35-39)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وهذا ضربٌ آخر من الحُجّة أقامه الله تعالى دليلاً على توحيده وبطلان الاشراك به ، وقد جاء بطريق السؤال للتوبيخ وإلزام الخصم بالحجة . { قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَهْدِيۤ إِلَى ٱلْحَقِّ … } . ايها الرسول ، قل لهؤلاء المشركين : هل من هؤلاء الذين عبدتموهم من يستطيع التمييز بين الهدى والضلال ، فيرشد سواه الى السبيل الحق ؟ إن الله وحده يفعل ذلك . { أَفَمَن يَهْدِيۤ إِلَى ٱلْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيۤ إِلاَّ أَن يُهْدَىٰ } . هل القادرُ على الهداية الى الحق أَولى بالاتباع والعبادة أم الذي لا يستطيع ان يهتدي في نفسه ، ولا يهدي غيره الا اذا هداه الله ! ! { فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } . ما الذي جعلكم تنحرفون حتى أشركتم هذه الأصنامَ وغيرها في العبادة مع الله ! كيف تحكمون بجواز عبادتهم وشفاعتهم عنده وتؤمنون بالخرافات ، رغم الادلة الواضحة على فسادها ! قراءات : كلمة يهدي : جاءت ثلاثة مرات " يَهدي " بفتح الياء وسكون الهاء وكسر الدال ، والرابعة : " أمّن لا يهدِّي " بفتح الياء وكسر الهاء والدال المشددة . وهذه قراءة حفص ويعقوب كما هي بالمصحف ومعناها يهتدي . وقرأ ابن كثير وورش عن نافع عامر : " يهدي " بفتح الياء والهاء وتشديد الدال . وقرأ ابو بكر : " يهدي " بكسر الياء والهاء وتشديد الدال . { وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً إَنَّ ٱلظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ ٱلْحَقِّ شَيْئاً } . وما يتبع أكثرُ المشركين في متعقداتهم الا ظنّاً لا دليل عليه ، والظنّ لا يفيد ولا يغني عن العلم الحق اي شيء . { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ } . ان الله عليم بما يفعله رؤساء الكفر وأتباعهم وسيجازيهم على ذلك . وفي هذا تهديد لكل من يتبع الظن في أمرٍ من أمور الدين . { وَمَا كَانَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ } . لايصحُّ ولا يُعقل ان يفتريَ هذا القرآنَ أحد ، لأنه في إعجازه وأحكامه لا يمكن ان يكون من عند غير الله ، لما فيه من علوم عالية ، وحِكم سامية ، وتشريعٍ عادل ، وآداب اجتماعية وإنباء بالغيب من الماضي والمستقبل ، وإنما هو مصدّقٌ لما سبقه من الكتب السماوية ، فيما جاءت به من الحق . { وَتَفْصِيلَ ٱلْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } . وهو مفصِّلٌ وموضِّح لما كُتب وسَبَق من الكتب السماوية ، فهو لا شك منزلٌ من عند الله رب العالمين . هكذا بيّن الله تعالى أنّ القرآن أجلُّ من أن يُفترى ، لِعجزِ الخلْق عن الإتيان بمثله ، ثم انتقلَ إلى حكاية زعْمِ المعاندِين المشركين الذين قالوا : إن محمّدا قد افتراه فقال : { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَٱدْعُواْ مَنِ ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } . بل يقول هؤلاء المشركون : إن محمّداً اختلقَ هذا القرآنَ من عنده ، فقل لم ايها الرسول : إن كان هذا القرآنُ من عملِ البشَر ، فأُتوا أنتم بسورةٍ واحدة مماثلةٍ له ، واستعِينوا على ذلك بمن تشاءون من دونِ الله ، إن كنتم صادقين فيما تزعمون . وهذا التحدي قائم الى الآن ، وقد عجَزَ عنه الأوّلون الآخرون ، وسيظل ثابتا الى أبد الآبدين . { بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ } . لقد سارَعوا الى تكذيبه من غير أن يتدبّروا ما فيه ، أو يقفوا على ما احتوى عليه من الأدلة والبراهين والحقائق . { كَذَلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلظَّالِمِينَ } . وبمثل هذه الطريقة في التكذيب من غير علم ، كذَّب الذين قبلهم من مشركي الامم رسلَهم بما لم يحيطوا بعلمه قبل ان يأيتهم تاويله ، فانظر ايها الرسول الكريم كف كيف كان عاقبة الظالمين ، وما آل اليه أمر المكذبين السابقين كقوم نوح وعاد وثمود وغيرهم . بعد ان بين الله ان المشركين كذّبوا بالقرآن قبل ان يأتيَهم تأويله أو يحيطوا بعلمه - ذكر هنا كيف يكون حالُهم بعد ان يأتيهم التأويل ، اذ سينقسمون فريقين : فريق يؤمن به وفريق يستمر على كفره وعناده .