Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 14, Ayat: 35-41)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

واجنُبني : وأبعِدني . تهوي اليهم : تسرع شوقاً وحبا . في هذه الآيات يتجلى النموذج الكامل للانسان الذاكر الشاكر في شخصية ابي الانبياء ابراهيم عليه السلام ، فهو يدعو الله تعالى ان يجعل مكة بلداً آمناً مطمئنّاً ، ويسأله ان يبعده هو وابناءه عن عبادة الأصنام ، ثم يذكر مساوئ الاصنام وكل ما عُبد من دون الله بقوله : { رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ } ويبين الدين الحق الذي هو عليه ويتابع الدعاء فيقول : { فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } . فأما من تبع طريقي فهو منّي ، ينتسب إليّ ويلتقي معي ، وأما من عصاني منهم فأُفوّض أمره إليك ، فأنتَ غفور رحيم . وهنا تتجلّى رحمة ابراهيم وعطفه ورأفته ، فهو لم يطلب الهلاك لمن يعصيه من نسله ، كما أنه لا يستعجل العذاب لهم ، وانما يَكِلُهم الى غفران الله ورحمته . { رَّبَّنَآ إِنَّيۤ أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ } . وهنا يمضي في دعائه : بأنه أسكنَ من ذرتيه بمكة ، وهي بوادٍ قاحلٍ لا زرعَ فيه عند بيت الله المحرّم ، ثم يبين الوظيفةَ التي أسكنَهُم في هذا المكان القفر ليقوموا بها ، وهي عبادةُ الله وإقامة الصلاة على حقيقتها . ثم يدعو تلك الدعوة اللطيفة التي استجابها الله ، بقوله : { فَٱجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهْوِيۤ إِلَيْهِمْ } اي تميل بشوقٍ إلى ذلك البيتِ العتيق واهلِه في ذلك الجديب ، { وَٱرْزُقْهُمْ مِّنَ ٱلثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ } وقد اجاب الله دعاءه ، فألهم الناس الحجَّ منذ آلاف السنين إلى ما شاء الله ، وفي أي وقت ذهب الانسان الى الحجاز يجِد فيه أنواع الثمار والخيرات . وفي هذا اظهارٌ لقدرة الله وصِدقِ وعده . { رَبَّنَآ إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ فَي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ } . إنك يا ربنا تعلَم ما تُخفي نفوسنا وما تظهره مجاهرةً به ، فليس يخفى عليك شيء في هذا الكون . ثم يتوجه ابراهيم الى الله ويذكر نعمة الله عليه ، فيلهج لسانه بالحمد والشكر فيقول : { ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى ٱلْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ } . فإن هِبةَ الذرّية على الكِبَر أوقعُ في النفس ، فهو يحمد اللهَ تعالى على هذه النِعم ويطمع في رحمته . { رَبِّ ٱجْعَلْنِي مُقِيمَ ٱلصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَآءِ } . بعد الحمد والشكر الذي قدّمه على ما وهبه الله من الذرّية على الكِبَر ، يطلب ابراهيم من ربّه ان يُعينه على مداومة شكره بإقامةِ الصلاة هو وذرّيته ، وان يتقبّل دعاءَه . والدعاءُ هو العبادة كما جاء في الحديث الصحيح . { رَبَّنَا ٱغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ ٱلْحِسَابُ } . بهذا الدعاء يختم ابراهيمُ شكره وتضرّعه الى الله ، ويطلب المغفرةَ له ولوالديه ولجميع المؤمنين ، يوم القيامة .