Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 15, Ayat: 6-18)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الذكر : القرآن . منظرين : مؤخرين . في شيع : في جماعات مفرده شيعة . نسلكه : ندخله . يعرجون : يصعدون . سكرت : سدت ومنعت من الابصار . بروجا : منازل الشمس والقمر . شهاب : شعلة من نار ، والشهبُ ما ترى ليلا تتساقط من السماء . { وَقَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ } . وقال بعض كفار قريش مستهزئين بالرسول الكريم : يا أيّها الرجلُ الذي زعم أنّه نُزّلَ عليه القرآن إنك لمجنون . وقال " مقاتِل " : إن الذين قالوا ذلك هم : عبدُ الله بن أمية ، والنضرُ بن الحارث ، ونوفل بن خُويلد ، والوليدُ بن المغيرة من زعماء قريش . { لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِٱلْمَلائِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } . إن كان ما تدّعيه حقاً وقد أيَّدك اللهُ وأرسلك ، فلماذا لا تسأل اللهَ ان يُنزِل معك ملائكةً من السماء يشهدون بصِدق نبوَّتِك ؟ ويتكرر طلبُ نزول الملائكة في هذه السورة وغيرها مع الرسول الكريم ومع غيره من الرسل . وقد أجاب الله تعالى على ذلك التهكُّم والاستهزاء ، بأن الملائكة لا تنزِلُ على الرسول إلاّ لهلاكِ المكذِّبين من قومه حين ينتهي الأجلُ المَعلوم فقال : { مَا نُنَزِّلُ ٱلْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِٱلحَقِّ وَمَا كَانُواْ إِذاً مُّنظَرِينَ } . إنّنا لا نُنزل الملائكةَ إلاّ عندما نقرِّر أمراً له أهميته ، ويكون قد مضى الأجلُ وحقَّ القولُ على الكافرين ، ولو أنزلْنا الملائكةَ لأهلكنا أولئك الكافرين ، ولم يكونوا مؤخَّرين . قراءات : قرأ حمزة والكسائي وحفص " ما ننزل الملائكة " بنونين وبنصب الملائكة . وقرأ ابو بكر " ما تنزل الملائكة " بالتاء والفعل يبنى للمجهول ورفع الملائكة . وقرأ الباقون : " ما تنزل الملائكة " بفتح التاء ورفع الملائكة . ثم أجابَ الله تعالى عن إنكارِهم تنزيلَ القرآن واستهزائهم بالرسول الكريم بقوله : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } . ان هذه من الآيات الجلية ، والقرآن كلّه جليل عظيم ، وفيها تحدّ كبير لكل معاند ، وطمأنينةٌ للمؤمنين . فالله سبحانه وتعالى يمنُّ علينا بأن هذا القرآن من عنده ، وهو حافظٌ له ، لم يَكِلْ حِفظه لغيره ، فهو ذِكرٌ حيٌّ خالد مصون من التحريف والزيادة والنقصان ، وهو باقٍ محفوظ لا يندثر ولا يتبدّل . والتحدي قائمٌ لكل معاند . { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي شِيَعِ ٱلأَوَّلِينَ وَمَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } . ولا تحزن أيها الرسول ، فقد أرسلنا قبلك رسُلاً إلى أُممٍ قد مضت ، وما أتى رسولٌ أمةً إلا كذّبوه واستهزأوا به . وفي هذا تسليةٌ للرسول الكريم عما أصابه من سَفَهِ قومه ، بأن هذا دأبُ الأمم المكذِّبة لِرُسُلها من قبل … فلقد أصابهم مثلُ ما أصابك ، وقد نَصَرْنا رسُلَنا وسننصرك انت والمؤمنين ، فَطِبْ نَفْساً ، ولا يَضِيقنَّ صدرُك بما يقولون . { كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ ٱلْمُجْرِمِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ ٱلأَوَّلِينَ } . وكما كانت حالُ الأمم الماضية حين أُنزلتْ عليهم الكتبُ من الملأ الأعلى فأصُّروا على الكفر والاستهزاء بالرسُل - كذلك نلقي القرآنَ في قلوب المجرمين من بين قومك وهو غيرُ مقبولٍ لديهم ، لأنهم أجرموا بإصرارِهم على الكفر فلم يؤمنوا به . وقد مضت سنّةُ الله في إمهالهم ، وهكذا تجدنا نفعلُ باللاحقين كما فعلنا بالسابقين . ثم بين الله تعالى عظيم عنادهم ومكابرتهم للحق فقال : { وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ ٱلسَّمَاءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ } . ولو فتحنا على هؤلاء المعاندين باباً من السماء يصعَدون فيه بأجسامِهم ويَرَوْن مَنْ فيها من الملائكة ، وما فيها من العجائب - لقالوا لِفَرْطِ عنادهم ، انما سُدَّتْ أبصارُنا ، فما نراه تخيُّلٌ لا حقيقةَ له ، وقد سَحَرَنا محمدٌ با يَظْهرُ على يده من الآيات ، وظلّوا في عنادِهم ومكابَرَتِهم سادِرين . قراءات : قرأ ابن كثير : " سُكرِت " بالتخفيف ، والباقون بالتشديد كما هو في المصحف . { وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي ٱلسَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ } . بعد بيان مكابرة المعاندين ، وانهم لا يؤمنون حتى بالأشياء المحسوسة ، عَرَضَ هنا الآيات الكونيةَ ، وما فيها من إبداعٍ لمن يفكّر ويُبْصِر . لقد أبدْعنا هذا الكونَ ، وجعلنا في السماء أشكالاً عديدةً من النجوم ، منها تلك البروجُ الظاهرة للعيان ، البديعةُ ، الدالَّةُ على جَمال هذا الكون ، وحُسنِ نظامه وزينّاها بالكواكب للناظِرين المعتبرين والمفكرين . فهلاّ نظر أولئك المعاندون إلى هذه السماء وما فيها من بروج ظاهرة ، ونجومٍ ساطعة وأقمار نّيرة ، ومجَرّات عظيمة ، فإن فيها عبرةً لمن اعتبر ! { وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ إِلاَّ مَنِ ٱسْتَرَقَ ٱلسَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ } . ولقد حفظنا السماءَ ومنعنا كلَّ شيطانٍ رجيم من القرب منها ، فلا ينالُها ولا يدنِّسها ، ولكن من أرادَ من هؤلاء الشياطين ان يَستَرِقَ الاستماع من عالم الغيب ، فنحن نلحقه بشهاب مشتعل محرق ، فهم أعجَزُ من ان يَصِلوا إليها .