Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 90-93)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

العدل : الانصاف ، والاستقامة واعطاء كل ذي حق حقه . العهد : كل ما يلتزمه الانسان باختياره . ولا تنقضوا الايمان : لا تحنثوا بها . كفيلا : ضامنا . انكاثا : واحدها نكث ، بمعنى منكوث ، منقوض . دخلا بينكم : مكرا وخديعة : اربى : أكثر . { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاءِ وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } . ان الله يأمر عبادَه بالعدل في اقوالهم وأفعالهم ، والإحسانِ الى الناس والتفضُّل عليهم ومساعدتهم ، ويأمر بِصِلَة الأقارب والأرحام وإعطائهم ما يحتاجون اليه لدعم روابط المحبة بين الأُسَر ، وينهى عن إتيان الفواحش والغلو في تحصيل الشهوات ، كما ينهى عن الظلم والاعتداءِ على الغير … واللهُ سبحانه يذكّركم بهذا ايها الناس ويوجّهكم الى الخير لعلكم تتذكرون فضله . أخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي انه قال : دعاني عمر بن عبد العزيز فقال لي : صف العدل ، فقلت بخٍ ، سألتَ عن أمرٍ جسيم ، كن لصغير الناس أباً ، ولكبيرهم ابناً ، وللمِثْل أخاً ، وللنساءِ كذلك ، وعاقبِ الناس قدْر ذنوبهم ، ولا تضرِبنّ لغضبك سوطا واحداً فتكون من العادين . وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : " اجمعُ آية في كتاب الله للخير والبعد عن الشر قوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإحْسَانِ … } الآية " . رواه البخاري وابن جرير وابن المنذر . { وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ ٱللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ ٱلأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ ٱللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } . أوفوا أيها المؤمنون بالعهود التي تعطُونها على انفسكم ، ولا تنقضوا الأيمان بالحنْثِ فيها بعدِ عقدِها ، وقد جعلتم الله كفيلاً عليكم بالأيمان التي حلفتموها ، ان الله رقيبٌ ومطلع عليكم ، فكونوا عند عهودكم وأيمانكم . { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ } . لقد شدّد الاسلام على الوفاء بالعهود ، ولم يتسامح فيها ابدا ، لأنها قاعدةُ الثقة التي ينفرط بدونها عقدُ الجماعة ، ولذلك أكد هنا بضربِ هذا المثل ، بالمرأة الحمقاء التي تفتِلُ غَزْلَها ثم تنقضُه من بعد ان يكون قد اكتمل ، منتخذين أيمانكم وسيلةً للمكرِ والخداع ، وتنوون الغدر بمن عاقدتم ، لأنكم اكثرُ وأقوى منهم . { إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ ٱللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } . انما يختبركم الله ، فإن آثرتُم الوفاءَ كان لكم الغُنم في الدنيا والآخرة ، وان اتجهتم الى الغدر كان الخسران ، وليبيّنَ لكم يومَ القيامة حقيقةَ ما كنتم تختلفون عليه في الدنيا ، ويجازيكم حسب أعمالكم . وهاتان الآيتان تدلان على أساس العلاقات بين المسلمين وغيرهم ، مع العدالة والوفاء بالعهد وان العلاقات الدولية لا تنظَّم الا بالوفاء بالعهود ، وان الدول الاسلامية إذا عقدت عهداً فإنما تعقده باسم الله فهو يتضمن يمين الله وكفالته ، وفيهما ثلاثة معان لو نفَّذتها الدولُ لساد السلم العالم . اولها : انه لا يصح ان تكون المعاهدات سبيلاً للخديعة وإلا كانت غشّاً ، والغش غير جائز في الاسلام في العلاقات الانسانية سواء كانت بين الافراد او الجماعات والدول . ثانيها : ان الوفاء بالعهد قوةٌ في ذاته ، وان من ينقض عهده يكون كمن نقض ما بناه من اسباب القوة ، مثلَ تلك الحمقاء التي نقضت غَزْلها بعد ان أحكمته . ثالثها : انه لا يصح ان يكون الباعث على نكث العهد الرغبةَ في القوة او الزيادة في رقعة الأرض او نحو ذلك ، كما تفعل اسرائيل ، وكانت من ورائها بريطانيا ، واليوم امريكا . هذه المبادئ لم تكن معمولاً بها قبل الاسلام ، وقد رأينا دولاً عظمى لم تفِ بالعهد وكذبت في عهودها فبدّد الله شملَها وعادت من الدول الفقيرة الحقيرة . { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلـٰكِن يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } . ولو شاء الله لجعل الناس على دين واحد ، ولكنه خلقهم متفاوتين بالاستعداد ، وجعل نواميس للهدى والضلال ، وشاء ان تختلفوا في الأجناس والالوان ، ولكّلٍ اختيارٌ أُوتيه بحسب استعداده ، وكلٌّ مسئول عما يعمل ، فلا يكون الاختلاف في العقيدة سببا في نقض العهود . وهذه قمة في صدق التعامل والسماحة الدينية ، لم يحققها في واقع الحياة الا الاسلام .