Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 26-39)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

التبذير : انفاق المال في غير موضعه . اخوان الشياطين : كل من خرج على الدين وسلك سلوكا مشينا . ميسورا : لينا . مغلولة : مقيدة ، كناية عن البخل . ولا تبسطها كل البسط : لا تنفق بدون عقل ، لا تبذر . محسورا : منقطعا . خشية املاق : خوفا من الفقر . خطئا : اثما . فاحشة : كل عمل قبيح فهو فاحشة . فلا يسرف : فلا يتجاوز الحد المشروع فيه والعفُو افضل واحسن . بالقسطاس المستقيم . بالميزان العادل . ولا تقفُ ما ليس لك به علم : لا تتدخل بما لا يعنيك . ولا تمش في الأرض مرحا : لا تتكبر في مشيك ولا تتعال . لن تخرق الارض : لن تؤثر فيها شيئا . لن تبلغ الجبال طولا : لن تطاول الجبال . الحكمة : المعرفة والتعقل والتخلق بهذه الاخلاق الواردة في هذه الآيات الكريمة . في هذه الآيات الكريمة وصايا بالاقرباء والمساكين وبالغرباء الذين انقطعوا عن السفر بسبب نفاد المال منهم ، ثم تعاليم خلقية قيمة بأن ننفق ولا نبذر ، لأن التبذير من الامور المكروهة وهي سبل الشيطان ، ثم يقول الله تعالى : { وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ٱبْتِغَآءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ … } الآية . يعني اذا سألك احد الاقرباء او المساكين او ابن السبيل شيئا من المال ولم تجد ما تعطيه ، الا الدعاء له ، فقل لهم قولا سهلا حسنا ، وعِدْه عدة حسنة ، والكلمة الطيبة صدقة ، وفي الحديث : " انكم لا تسَعون الناس باموالكم ، فسعوهم باخلاقكم " . ثم يأمرنا بالتوسط في الامور بان لا نبخل باموالنا كأننا مقيدون بالاغلال ، ولا نسرف بالعطاء فنقعد فقراء محرومين ، فالاعتدال والتوازن أساس كل شيء في الاسلام . والله تعالى يَعدنا اذا اعتدلنا بأن يبسط الرزق ويوسعه لمن يشاءَ من عباده ، { إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً } فهو خبير بطبائعم ، بصير بحوائجهم . ثم ينص على عادة قبيحة كانت عند العرب في الجاهلية وهي قتل الاولاد خشية الفقر فيقول هنا : { وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم … } . فينص على تحريم قتل الاولاد خوفا من الفقر ، يعني ان الرجل يكون عنده المال ويكثر عنده الاولاد فيخاف من الفقر فيقتلهم . وهذا ذنب كبير ، والله تعالى قد تكفل بالرزق للجميع . وفي سوة الانعام يقول : { وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ } . وهذه لها معنى غير الآية التي في سورة الاسراء ، فهنا يقول تعالى لا تقتلوا اولادكم لانكم فقراء لا مال عندكم نحن نرزقكم واياهم ، ففي آية الاسراء قدم رزق الابناء على رزق الآباء ، { نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم } ، فلا تخافوا على اموالكم . وفي سورة الانعام قدم رزق الآباء على رزق الابناء { نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ } فهنا قتل الاولاد خوفا من وقوع الفقر بسببهم ، فقدَّم رزق الاولاد ، وفي الانعام لان الفقر حاصل وموجود بسبب فقر الآباء فقدم رزق الآباء ، فلا يظن من لا معرفة له بان الآيتين فيهما تكرار . { وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰ … } . ثم يؤكد على موضوع كان متفشيا في الجاهلية وهو الزنا ، ولذلك سماه فاحشة وساء سبيلا . وقد اكد على تحريم هذه الفاحشة عدة مرات في القرآن الكريم ، ذلك لما فيها من مفاسد واختلاط الانساب ، والتعدي على حرمة الغير . ثم نص على صيانة النفس ، وانه لا يجوز بحال من الاحوال قتل الانسان بدون جناية جناها وبغير حق ، وقد تقدم ايضا في سورة المائدة وغيرها النص على حرمة قتل النفس الا بالحق … ثم بين هنا القصاص فقال : { وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي ٱلْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً } . فمن قُتل مظلوما بغير حق ، فقد جعلنا لمن يلي امره من اقربائه الحقَّ بالقصاص ، ولا يجوز لأقربائه ان يسرفوا في القتل بان يقتلوا احدا غير القاتل كما يفعل كثير من الناس ، يأخذ الثأر من اي واحد من اقرباء القاتل إن هذا حرام لا يجوز في شرع الاسلام . والله سبحانه يقول : انه كان منصورا ، فالله ناصره بان اوجب له القصاص من القاتل . وقد خير الاسلام اولياء القتيل بين اخذ ديته والعفو عنه او قتله ، وفي الحديث الشريف : " من قتل فتيلا فأهله بين خيرتين : ان احبوا قتلوا ، وان احبوا اخذوا الدية " . ثم اكد وكرر بالوصية على رعاية مال اليتيم . وقد تقدم في سورة الانعام الآية 152 ، وتقدم الكلام عليها مستوفى ، وكذلك في اول سورة النساء . { وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ ٱلْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً } ان كل ما امر الله به ونهى عنه عهد الوفاء به واجب ، وقد تكرر الأمر بالوفاء بالعهد في عدد من الآيات . ثم حض على إيفاء الكيل والوزن ، وان نكون امناء في المكيال والميزان وجاء ذلك في عدد من الآيات . فالأمانة والاستقامة والعدل من قواعد الاسلام { … ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } اجمل عاقبةً واحسن مآلا في الآخرة ، لما يترتب على ذلك من حفظ الحقوق ، وعدم الغش والتحلي بالامانة . والرسول الكريم يقول : " لا يقدر رجل على حرام ثم يدعه ، ليس به الا مخافة الله ، الا ابدله الله به في عاجل الدنيا قبل الآخرة ما هو خير من ذلك " . ثم ينص على امر هام لا يزال الى الآن موجودا في مجتمعنا ، وهوالفضول ، والتدخل في امر الغير ، والكلام على الناس ، والغيبة ، ونقل الكلام بدون تثبت ، فيقول : { وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُولـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } ولا تتبع ايها المرء ما لا علم لك به ، فلا تكن فضوليا تتدخل في شئون غيرك ، ولا تنقل خبرا ما لم تتأكد منه وتتثبت من صحته من قول يقال ، او رواية تروى ، ومن حكم شرعي او قضية اعتقادية ، ولا تشهد الا بما رأت عيناك ، وسمعته اذناك ، ووعاه قلبك ، ففي الحديث الشريف : " اياكم والظن ، فان الظن اكذب الحديث " وفي سنن ابي داود : " بئس مطية الرجُلِ زعموا " ان الله يسأل الانسان عما فعلت جوارحه ، وستسأل الجوارح نفسها عما اجترمت { يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } [ الشعراء : 88 - 89 ] . وانها لقواعد اخلاقية عظيمة ، تؤمن سلامة المجتمع ، وتجعل الناس يعيشون بامن وسلام . وهذا هو الاسلام ، وهذا هو القرآن الكريم { إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } . ثم ينهى عن خلة سيِّئُه ، وصفة بغيضة يختم بها هذه الوصايا والأوامر فيقول : { وَلاَ تَمْشِ فِي ٱلأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ ٱلأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ ٱلْجِبَالَ طُولاً كُلُّ ذٰلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً } . التكبر صفة ممقوتة ، والخيلاء الكاذبة من الأدلة على نقص العقل ، ولماذا يزهو الانسان وعلى من يتكبر ؛ انه من طين وسيعود الى التراب ، والله تعالى يبين له بانه ضئيل ضعيف ازاء ما في هذا الكون من مخلوقات اعظم واكبر ، فلو تواضع لرفعه الله كما جاء في الحديث الشريف " من تواضع لله رفعه " فهو في نفسه حقير وعند الناس كبير ، ومن استكبر وضَعه الله ، فهو في نفسه كبير وعند الناس حقير . كل هذه الصفات التي نهى الله عنها سيئة مكروهة عند الله . { ذَلِكَ مِمَّآ أَوْحَىٰ إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ ٱلْحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ فَتُلْقَىٰ فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَّدْحُوراً } . ان كل ما قدمنا اليك ايها الانسان هو من الحكمة التي تشتمل على التعقل والاتزان وحب المعرفة . ثم يختمها بالتحذير من الشرك ، والحفاظ على عقيدة التوحيد ، وهذه بعض الحكمة التي يهدي اليها القرآن الكريم الذي اوحاه الى الرسول عليه الصلاة والسلام . قراءات : قرأ ابن كثير : " كان خِطَاءً كبيرا " بكسرا لخاء وفتح الطاء والمد . وقرأ ابن عامر : " خطأ " بفتح الخاء والطاء . والباقون : " خطئا " بكسر الخاء وسكون الطاء . وقرأ حمزة والكسائي : " فلا تسرف في القتل " بالتاء . والباقون : " فلا يسرف " بالياء . وقرأ حمزة والكسائي وحفص : " القسطاس " بكسر القاف كما هو في المصحف ، والباقون : " القسطاس " بضم القاف ، وهما لغتان . وقرأ ابو بكر عن عاصم : " بالقصطاس " بالصاد . وقرأ ابن كثير وابو عمرو ونافع : " كان سيئةً " والباقون : " كان سيئهُ " مضافا الى الهاء .