Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 91-100)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الغيب : ما غاب عنا . الشهادة : الحاضر الآن . همزات الشياطين : وساوسهم . من ورائهم : من امامهم . برزخ : حاجز . { مَا ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } . من الحقِّ الذي جاء به الرسولُ الكريم من عند ربه معلَناً للناس كافة أن الله تعالى لم يلدْ ولم يولد ولم يتخذْ ولدا ، ولم يشاركْهُ في الملك إلهٌ آخر ، وبيّن ذلك بدليلين : 1 - إذاً لذهبَ كل إلهٍ ما خلق . يستقل كل اله بما خلقه ، يصرّفُه حسب ما يريد ، فيصبح لكلّ جزءٍ من الكون ، او لكل فريقٍ من المخلوقات - قانون خاص ، ويحصل التباين في نظام هذا الكون … وهذا غير واقعٍ ، فنظام الكون منسَّق منتظم { مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ ٱلرَّحْمَـٰنِ مِن تَفَاوُتِ } [ الملك : 3 ] . 2 - ولَعلا بعضُهم على بعض . ولحصَلَ خلافٌ كبير بين الإلهين ، وقهر أحدُهم الآخر ، وكل هذه الامور غير موجودة . على العكس فإن وحدةَ الكون ظاهرةٌ تشهد بوحدة مكوّنه ، بوحدة خالقه ، وكل شيء في هذا الكون يبدو متناسقاً منتظماً بلا تصادم ولا نزاع . وبعد ان وضَح الحقّ وصار كفَلَقِ الصبح جاء بما هو كالنتيجة لذلك فقال : { سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } تنزه اللهُ عما يقوله المشركون مما يخالف الحق . ثم وصف نفسه بصفات الكمال فقال : { عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ فَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } هو العالم بما غاب عن خلقه من الاشياء فلا يرونه ولا يشاهدونه ، وبما يرونه ويعملونه ، فليس لغيره من خلْقٍ يستقلّ به ، فتنزه اله عما ينسبُه الكافرون إليه من وجود الشريك . ثم بعد أن يقرر هذه الحقائقَ يأمر رسولَه الكريم ان يتوجّه إليه ، وان لا يجعله قريناً لهؤلاء المشركين ، وأن يستعيذَ به من الشياطين ، فلا تثور نفسُه ، ولا يضيق صدره بما يقولون : { قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ رَبِّ فَلاَ تَجْعَلْنِي فِي ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } قل : يا رب ، إنْ عاقبتَهم وانا أشاهدُ ذلك فإني اسألك ان لا تجعلني مع القوم الكافرين . والرسولُ عليه الصلاة والسلام في منجاةٍ من ان يجعلَه الله مع القوم الظالمين حين يحلُّ بهم العذاب ، ولكن هذا تعليمٌ له وللمؤمنين ان لا يؤمنوا مكر الظالمين ، وان يظلّوا أبداً أيقاظا ، يلوذون بحمى الله . روى الإمام أحمد والترمذي ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو ويقول : " واذا أردتَ بقومٍ فتنةً فتوفَّني غيرَ مفتون " { وَإِنَّا عَلَىٰ أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ } . ان الله قادرٌ على ان يحقّق ما وعدَ به الظالمين في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام . ولقد أراه بعضَ ما وعدهم في غزوة بدرٍ من قتلِ زعمائهم ، وفي غزوة الفتح من النصر العظيم . ثم أرشده الى ما يفعل بهم إذا لحِقه أذاهم ، وهو أن يصبر حتى يأتي امر الله : { ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ٱلسَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ } استمر يا محمد في دعوتك ، وقابلْ إساءتهم بالتي هي أحسن ، ومن العفو والصبر والتجاوز عن جهلهم … نحن أعلمُ بما يصفوننا به ، وبما يصفون دعوتك من سوء وافتراء ، وسنجازيهم عليه . رُوي عن أنس رضي الله عنه : " يقول الرجل لأخيه ما ليس فيه ، فيقول له : ان كنتَ كاذباً فإني أسأل الله ان يغفر لك ، وان كنتَ صادقاً فإني أسأل الله ان يغفر لي " . ولمّا أدّب الله رسولَه الكريم بأن يدفع بالحسنى أرشده إلى ما يقوى به على ذلك ، من الاستعاذة من هَمزات الشياطين . { وَقُلْ رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ ٱلشَّياطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ } وقل أيها الرسول : يا رب ، إني ألتجىء اليك من أثر وساوسِ الشياطين ، وان يبعثوا إليَّ أعدائك لإيذائي ، وان يكونوا بعيدين عني في جميع أعمالي ، ليكون عملي خالصاً لوجهك الكريم . أخرج الامام أحمد وأبو داود والترمذي عن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلّمنا كلماتٍ نقولها عند العزم خوف الفزع : " بسم الله ، اعوذ بكلماتِ الله التامة من غضبه وعقابه وشرِّ عباده ، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون " ثم أخبر عما يقوله الكافرون حين قُربِ الوفاة ، ومعاينة المصير من سؤال الرَّجعة الى الدنيا ليُصلحوا ما كانوا أفسدوا حالَ حياتهم فقال : { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ٱرْجِعُونِ لَعَلِّيۤ أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } سوف يستمر هؤلاء المعاندون على كفرهم ، حتى إذا حلّ موعد موتِ أحدهم ، ورأى مصيره ندم وقال : يا رب ، ردَّني إلى الدنيا ، لأعملَ عملاً صالحا فيما قصرّت فيه من عبادتك ، وما تركت من مالي . لكن هيهات ، فقد فات الأوان ، ولن يجاب الى طلبه ، وانما هو كلام يقوله دون فائدة . إن أمامهم حاجزاً بينهم وبين الرجوع الى الدنيا . قراءات : قرأ ابن كثير وابو عمرو وابن عامر وحفص : عالمِ الغيب بالجر . والباقون : عالمُ الغيب بالرفع ، على تقدير هو عالم الغيب .