Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 29, Ayat: 10-15)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فتنة الناس : أذاهم . ولنحمل خطاياكم : لتكون ذنوبكم علينا . الأثقال : واحدها ثقل بكسر الثاء وسكون القاف : الحمل الثقيل ، والمراد هنا الذنب والاثم . الناي في الدين ثلاثة اقسام : مؤمن حسن الاعتقاد والعمل ، وكافر مجاهر بالكفر والعناد ، ومذبذب بينهما ، يُظهر الايمانَ بلسانه ، ويبطن الكفر في قلبه ، وقد بيّن الله تعالى القسمين الاولين بقوله : { فَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْكَاذِبِينَ } وهنا يبين القسم الثالث بقوله تعالى : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يِقُولُ } . ومن الناس من يقول بلسانه آمنتُ بالله ويدعي الإيمانَ ظاهرا ، فإذا أُصيب بأذىً بسبب ايمانه جزعَ وسوّى بين الناس وعذابِ الله في الآخرة ، واعتقدَ ان هذا من نقمةِ الله تعالى ، فيرتدّ عن الاسلام . وهذا كقوله تعالى : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ ٱطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ ٱنْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ } [ الحج : 11 ] . { وَلَئِنْ جَآءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ } لئن فتحَ الله على المؤمنين وجاءهم بعضُ الخيرات يقول المنافقون إنا كنّا معكم فأشركونا فيها معكم . وقد توعّدهم الله وذكر انه عليمٌ بما في صدورهم ، لا يخفى عليه شيء من أمرِهم فقال : { أَوَ لَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ ٱلْعَالَمِينَ } . ثم بين ان هذه الفتنة إنما هي اختبارٌ من الله ليظهر المؤمنَ الصادقَ من المنافق : { وَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ } فيجازي الفريقين كلا بما يستحقه . { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّبِعُواْ سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } . كان زعماء قريش من المشركين يقولون للذين دخلوا في الاسلام : ارجِعوا إلى ديننا واتّبعوا ما نحن عليه ، واذا كان هناك بعثٌ وحساب تخشونه فنحن نحمل عنكم ذنوبكم . فردّ الله عليهم قولهم بأنهم لا يحملون ذنوبهم يوم القيامة ، ولن تحمل نفسٌ وِزرَ نفسٍ أخرى ، وان الكافرين لكاذبون في وعدهم . وبعد ان بين عدم منفعة كلامهم لمخاطِبيهم ، بيّن ما يستتبعه ذلك القول من المضرة لأنفسِهم فقال : { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } . سوف يحمل أَولئك الكفار أوزارَ أنفسِهم الثقيلة ، ويحملون معها مثل اوزارِ من أضلّوهم وصرفوهم عن الحق ، وسيحاسَبون يوم القيامة على ما كانوا يختلقون في الدنيا من الأكاذيب . وفي الصحيح : ما دعا الى هدىً كان له من الأجرِ مثلُ أجور من اتبعه الى يوم القيامة ، من غير ان ينقص من أجورهم شيئا ، ومن دعا الى ضلالٍ كان عليه من الإثمِ مثلُ آثام من اتبعه الى يوم القيامة من غيرِ ان ينقص من آثامهم شيئا . { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً فَأَخَذَهُمُ ٱلطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ فأَنْجَيْناهُ وأَصْحَابَ ٱلسَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَآ آيَةً لِّلْعَالَمِينَ } لا يحزنك أيها الرسول ما تلقى من أذى المشركين أنت واصحابُك ، فإن مصيرهم الى البوار ، ومصيرك وأصحابك الى العلوّ والنصر . ان نوحاً مكث في قومه تسعمائةٍ وخمسين سنة يدعوهم وهم لا يستجيبون له ، فأغرقهم الله بالطوفان وهم ظالمون لأنفسِهم ، وأنجاه ومن معه من المؤمنين في السفينة ، وجعل قضيّتهم عبرةً للعالمين . وقد تقدّم ذكر نوح في آل عمران والنساء والأنعام والأعراف والتوبة ويونس وهود وابراهيم والإسراء ومريم والانبياء والحج والمؤمنون والفرقان والشعراء والعنكبوت . هذا وسيأتي في عدد من السور . وقوله تعالى : { أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً } لم يقل الف سنة الا خمسين سنة ، حتى لا يكرر كلمة سنة فلا يكون الكلام بليغا ، والعرب تعبر عن الخِصب بالعام ، وعن الجَدْب بالسنة ، ونوح لما استراح بقي في زمن حسن .