Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 29, Ayat: 56-63)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فإياي فاعبدون : فاعبدوني . لنبوّئنهم : لننزلنّهم ، بوأهم : أنزلهم منزلا حسنا . يؤفكون : يُصرَفون عن الحق . ويقدر : ويضيق . بعد ان بيّن حال الجاحدين المكذّبين ، وما يغشاهم من عذاب محيط بهم ، لأنهم قد اشتد عنادهم وكثر أذاهم للمؤمنين ، ومنعوهم من أداء عبادتهم - امرهم الله بالهجرة الى دار اخرى حتى ينجوا بعقيدتهم . ولما كانت مفارقة الأوطان عزيزة على النفس ، بيَّن لهم ان المكروه واقع لا محالة ، ان لم يكن بالهجرة فهو حاصل بالموت . وأنتم ايها المؤمنون ، لا تستصعِبوا مفارقة الأوطان في مرضاة الله ، فان أرض الله واسعة ، ومدى الدنيا قريب ، والموتُ لا بد منه ، ثم مرجعكم الى ربكم ، وحينئذ تنالون من النعيم المقيم ما لا عينٌ رأت ولا أُذن سمعت ، ولا خَطَرَ على قلب بشر ، فهنالك الجنة { خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ } . وقد بين الله هؤلاء العاملين الذين استحقوا تلك الجنات بقوله : { ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } . ولا تقلقوا على توفّر الرزق ولا تخافوا بعد مغادرة الأوطان ، إن الله هو الكافي أمرَ الرزق في الوطن والقرية . { وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا ٱللَّهُ يَرْزُقُهَا … } ان الله يرزق الجميع حيث كانوا ، هو يسمع لهم ، ويعلم حالهم ، ولا يدعهم وحدهم { وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } . قراءات : قرأ ابو بكر : ثم الينا يرجعون بالياء . والباقون : ترجعون بالتاء . وقرأ حمزة والكسائي لنثوينهم بالثاء ، يعني لنقيمنهم ، من : ثوى بالمكان : أقام . والباقون : لنبوئنّهم : بالباء . { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ ؟ } . انهم يعترفون بأن الله هو خالق السماوات والأرض والمسخِّر للشمس والقمر ، وهم مع ذلك يعبدون سواه ، فلماذا هذا التناقض ؟ ! وكيف إذْن يُصرفون عن توحيد الله وعن عبادته ، مع اقرارهم بهذا كله ؟ { ٱللَّهُ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ … } ما دام الخالقُ هو الله ، فانه يوسع الرزق على من يشاء ، ويضيق على من يشاء ، حسبما يقتضيه علمه بالمصالح ، { إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٍ } . وان اقوال هؤلاء المشركين تخالف أفعالهم ، فهم يقرّون بالوحدانية ثم هم يعبدون مع الله سواه ، ولذلك يقول : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّن نَّزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } إنهم مقرّون بان الله هو الخالق ، وهو الرازق ، وهو مدبّر الكون ، لكنهم انحرفوا وعبدوا غيره ولذلك يتعجب من أقوالهم ويقول : { قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } . قل يا محمد ، الحمدُ لله على اعترافهم بالحق ، ولكن اكثرهم لا يَستعملون عقولهم ، ولا يفهمون ما يقعون فيه من تناقض .