Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 21-27)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أُسوة ، وإسوة : قدوة . قضى نحبه : مات او استُشهد في سبيل الله . بغيظهم : بأشد ما يكون من الغضب . ظاهَروهم : عاونهم . من اهل الكتاب : اليهود من بني قريظة . من صياصيهم : من حصونهم ، واحدها صِيصِية وهي كل ما يُمتنع به . قذف في قلوبهم الرعب : القى في قلوبهم الخوف الشديد . لا يزال الحديث عن غزوة الاحزاب . { لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ … } في هذه الآية عتاب من الله للمتخلّفين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . لقد كان لكم في رسول الله قُدوة حسنةٌ أن تتأسُّوا به ، ولا تتخلّفوا عنه ، وتصبروا على الحرب ومعاناة الشدائد ، لمن كان يرجو ثواب الله والفوز بالنجاة في اليوم الآخر . وقد قرن الله الرجاء بكثرة ذكر الله . قراءات : قرأ عاصم : أُسوة بضم الهمزة ، والباقون : إسوة بكسرها وهما لغتان . ولما رأى المؤمنون الأحزابَ مقبِلين للقتال ، يتوافدون حماسةُ وحباً للانتقام { قَالُواْ هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ } من نزول الشدائد ووقوع الفتن ، امتحاناً لإيمان عباده . وقد صدق الله ورسوله وما زادَهم هولُ ما رأوا الا إيماناً بالله ، وتسْليماً لأوامره وقضائه . هذا هو الإيمان الحق ، الصبر والثبات ، والتسليم الى الله ورسوله ، والثقة بنصر الله . { مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً } . من المؤمنين بالله ورسوله رجال وَفَوا بما عاهدوا الله عليه من الصبر على الشدائد ، فمنهم من فَرَغَ من العمل الذي كان نَذَرَه لله وأوجبَه على نفسه ، فاستُشهد بعضُهم يوم بدر ، وبعضهم يوم أحد ، وبعضهم في غير ذلك من المواطن المشرفة ، { وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ } الشهادةَ ، وما غيَّروا العهدَ الذي عاهدوا ربهم ، كما غيره المعوِّقون القائلون لإخوانهم : هلمّ الينا ، والقائلون : إن بيوتَنا عَورة . { لِّيَجْزِيَ ٱللَّهُ ٱلصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ ٱلْمُنَافِقِينَ إِن شَآءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } ان الله سبحانه يختبر عبادَه بالخوفِ والشدائد ليُظهرَ الصادقَ بإيمانه من المنافق الكذاب كما قال : { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ ٱلْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَٱلصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ } سورة [ محمد : 31 ] . ويعذّب المنافِقين إذا استمرّوا على نفاقِهم . فإن تابوا ، فإن الله غفور رحيم . وباب التوبة عنده مفتوحٌ دائما وابدا ، وهو يغفر الذنوب جميعا . { وَرَدَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلْقِتَالَ وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً } . انتهت المعركة وانفرجت الغُمة ، وردَّ الله الكفار ممتلئةً قلوبُهم بالغيظ خائبين ، لم ينالوا خيراً من نصرٍ او غنيمة . وكفى الله المؤمنين مشقَّة القتال ، وكان الله عزيزاً بحَوْله وقوته . روى الشيخان من حديث ابي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : " لا إِله إِلا الله وحدَه ، صدق عبدَه ، وأعزَّ جنده ، وهزم الأَحزابَ وحده ، فلا شيء بعده " وروى محمد بن اسحاق انه لما انصرف الاحزاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لن تغزوكم قريشُ بعدَ عامِكم هذا ، ولكنكم تغزونهم " وقد تحقق هذا ونصر الله رسولَه والمؤمنين الى ان فتح عليهم مكة . { وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً } . انتهت المعركة مع الأحزاب من قريش وحلفائها وردّهم الله خائبين ، لكنّها لم تنتهِ مع اليهود من بني قريظة ، الذين نقضوا العهد مع رسول الله والمؤمنين . وكان الرسول لما قَدِم المدينة ، كتبَ كتاباً بين المهاجرين والانصار وادَعَ فيه اليهودَ وعاهدَهم ، وأقرّهم على دينهم وأموالهم ، وشَرَطَ لهم واشترط عليهم ، وجاء فيه : " انه من تَبِعنا من يهودَ فان له النصرة والأسوة غير مظلومين ولا متناصرين عليهم ، ان اليهود يتفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين ، وان قبائلَ يهودَ أُمة مع المؤمنين . لليهود دينُهم ، وللمسلمين دينهم ومواليهم وأنفسهم … وان بينهم النصرَ على ما حارب أهل هذه الصحيفة وان بينهم النُّصحَ والنصيحة ، والبِرّ دون الاثم ، وان بينهم النصرَ على من دهم يثرب . " . والعهدُ طويلٌ موجود في سيرة ابن هشام وعدد من المراجع . ولكن اليهودَ ، هم اليهود في كل زمان ومكان ، فقد نقضوا العهد واتفقوا مع قريش والأحزابِ على أن يهجُموا على المدينة من خلْفِ المسلمين . ولما علم رسول الله بذلك بعث سعدَ بن مُعاذ ، وسعدَ بن عبادة - في رجالٍ من الانصار ليتحققوا الخبر . فوجدوهم على شرّ ما بلَغَهم عنهم ، ونالوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : من رسولُ الله ؟ لا عهدَ بيننا وبين محمد ولا عقد . وهكذا حاولوا طعنَ المسلمين من الخلف ، ولكنّ الله خيبّهم ، إذ أنهم اختلفوا مع قريش وتحصنوا في حصونهم ولم يحاربوا . فلما انصرف الرسولُ الكريم والمسلمون من الخندق راجعين الى المدينة - أمَرَ الرسول مؤذنا فأَذن في الناس : إن من كان سمعاً مطيعاً فلا يصلِّيَنَّ العصرَ الا في بني قريظة . ونزل رسول الله ببني قريظة فحاصرَهَم خمساً وعشرين ليلة حتى تعبوا وجَهَدهم الحصار ، وقذف الله في قلوبهم الرعبَ ، ونزلوا على حُكم سعد بن معاذ حَليفِهم . فحكم فيهم ان تُقتل الرجال ، وتقسَم الأموال ، وتسبى الذراري والنساء ، لأنهم لو نَفَّذوا عهدهم مع قريشٍ لقضَوا على المسلمين واستأصلوهم ، ولكن الله سلّم ونَصَرَ المسلمين { وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً } . وقد توفي سعدُ بن معاذ شهيدا من سهم أصابه في ذراعه رضي الله عنه . { وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَّمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً } وأورثكم الله ايها المؤمنون ارض اليهود وحصونهم وديارهم واموالهم التي ادّخروها ، ومزارعهم . وقد قسمها الرسول الكريم بين المسلمين ، واخر الخمس لرسول الله يصرفه في سبيل الله وأرضاً لم تطئوها : خيبر ومكة ، وكل ما لم يُفتح بعد …