Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 116-121)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الدعاء : الطلب ، ولكن يدعون هنا بمعنى يعبدون ، لأن من عبد شيئاً دعاه عند الحاجة . اناث : معناها معروف ، والمراد هنا اللات والعزى ومناة ، لأن أسماءها مؤنثة ، وقيل : المراد بالإناث الأموات ، لأن العرب تصف الضعيف بالأنوثة . المريد : بفتح الميم ، مبالغة في العصيان والتمرد , اللعن : الطرد والاهانة . النصيب المفروض : الحصة الواجبة . الأماني : جمع أمنية . البتك : القطع . المحيص : المهرب ، والميم فيه زائدة ، لأنه مصدر حاصَ يحيص ، يقال : وقع في حَيْصَ بَيْصَ ، أي في أمر يعسر التخلص منه . { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذٰلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً } . تجد تفسيرها في الآية 48 من هذه السورة ، ولا اختلاف بين النصين إلا في التتمة ، حيث قال هناك : { وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱفْتَرَىٰ إِثْماً عَظِيماً } وقال هنا : { وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً } والمعنى واحد . وهنا نتعرض للتكرار في القرآن ، من جديد ، فنورد ما قاله صاحب " تفسير المنار " عند تفسيره لهذه الآية : " ان القرآن ليس قانوناً ، ولا كتاباً فنياً ، يذكر المسألة مرة واحدة ، يرجع اليها حافظها عند ارادة العمل بها ، وانما هو كتاب هداية … وانما ترجى الهداية بايراد المعاني التي يراد ايداعها في النفوس في كل سياق يعدها ويهيؤها لقبول المعنى المراد ، وانما يتم ذلك بتكرار المقاصد الاساسية . ولا يمكن أن تتمكن دعوة عامة إلا بالتكرار ، ولذلك نرى أهل المذاهب الدينية والسياسية الذين عرفوا سنن الاجتماع وطبائع البشر وأخلاقهم يكررون مقاصدهم في خطبهم ومقالاتهم التي ينشرونها في صحفهم وكتبهم " . { إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً } . كان أهل الجاهلية يزعمون ان الملائكة بنات الله : { أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِٱلْبَنِينَ وَٱتَّخَذَ مِنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ إِنَاثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً } [ الإسراء : 40 ] . وقد حملهم هذا الاعتقاد على أن يتخذوا تماثيل يسمونها أسماء الاناث ، كاللات والعزى ومناة ، ويرمزون بها الى الملائكة التي زعموا انها بنات الله … ومع الزمن تحولت تلك الأصنام عندهم إلى آلهة تخلق وترزق … هكذا تتحول وتتطور زيارة قبور الأولياء عند الاعراب والعوام من تقديس المبدأ الذي مات عليه صاحب القبر الى الاعتقاد بأنه قوة عليا تجلب النفع ، وتدفع الضرر . { وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَّرِيداً } . أي ان عبادة المشركين للاصنام هي في واقعها عبادة الشيطان نفسه ، لأنه هو الذي أمرهم بها فأطاعوه . { لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً } . المعنى ان الشيطان قال لله ، جل وعز : ان لي سهماً فيمن خلقتَهم لعبادتك ، وقلت عنهم فيما قلت : { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [ الذاريات : 56 ] ، وان هذا السهم فرض واجب لي يطيعني ويعصيك . والآن : ان ظاهر الآية يدل على ان الشيطان شخص حقيقي ، وانه يخاطب الله بقوة وثقة ، فهل الكلام جارٍ على ظاهره ، أو لا بد من التأويل ؟ . نقل صاحب " تفسير المنار " عن أستاذه الشيخ محمد عبده ان في كل فرد من أفراد الانسان استعداداً لعمل الخير والشر ، ولاتباع الحق والباطل ، والى هذا الاستعداد أشار سبحانه بقوله : { وَهَدَيْنَاهُ ٱلنَّجْدَينِ } [ البلد : 10 ] ، وان النصيب المفروض للشيطان من الانسان هو استعداده للشر الذي هو أحد النجدين . وعليه يكون لفظ الشيطان كناية عن هذا الاستعداد . الشيطان والعلم الحديث : لقد سيطرت فكرة الشيطان على عقول الناس يوم كان العلم مجرد كلمات تقال ، وسطورٍ تملأ صفحات الكتب ، ولا تتجاوزها الى العمل الا قليلا ً ، أما اليوم فقد أصبحت فكرة الشيطان بشتى تفاسيرها أسطورة بعد أن صار العلم مقياساً لكل حقيقة ، وأساساً لكل خطوة يخطوها الانسان ، وقوة في كل ميدان ، حتى إنه يطير الى القمر والمريخ ، يخاطب أهل الأرض من هناك ؟ . على هذا التساؤل نقول : لا نظن أحداً يهوّن من شأن العلم ، ولا كونه قوة وثروة ، فحاجة الناس اليه تماماً كحاجتهم الى الماء والهواء … ولكن لا أحد يجهل ان العلم استعداداً للخير والشر ، فهو حين يوجَّه الى الخير ينتج الطعام للجائعين ، والكساء للعراة ، والعلاج للمرضى ، وحين يوجه الى الشر يقتل ويدمر … والشر هو الركيزة الأولى لسياسة الشيطان الذي نعنيه . وقد أصبح العلم اليوم في يد السياسة تتجه به الى الفتك والهدم ، والسيطرة والاستغلال . ولقد تضاعف نصيب الشر أو الشيطان مهما شئت فعبر بتقديم العلم وتطوره . كان أعوان الشر والاستعمار فيما مضى يتسلحون بقوة العضلات ، أما الآن ، وبعد ان بلغ العلم من الجبروت ما بلغ فإنهم يتسلحون بالذرة والصواريخ واسلحة الحرب الكيماوية . وهم لا ينسون إشعال حرب نفسية من الدسائس ، يخططونها لأتباعهم ، كلما اهتزت كراسيّهم بفعل رغبة الشعوب في التحرر وفعل الخير لأوطانهم . { وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ } اضلال الشيطان للانسان أن يزين له الحق باطلاً ، والخير شراً ، أو يوهمه انه لا حق ولا خير في الوجود ، ولا جنة ولا نار ، وفي الحديث : " خلق إِبليس مزيناً ، وليس إِليه من الضلالة شيء " أما تمنية الشيطان للانسان فهو أن يخيل اليه ادراك ما يتمناه رغم انه باطل ، ويؤمله في النجاة يوم الحساب ، وما الى ذلك من الأماني الكاذبة ، والسعادة الموهومة . { وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ ٱلأَنْعَامِ وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ ٱللَّهِ } . كان العرب في الجاهلية يقطعون آذان بعض الانعام ، ويوقفونها للاصنام ، ويحرّمونها على أنفسهم ، ويأتي التفصيل عند تفسير { مَا جَعَلَ ٱللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَـٰكِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ } من سورة المائدة . وبعد ان كان الشر أو الشيطان يأمر حزبه في عصر الجاهلية بقطع آذان الانعام وتغيير خلق الله أصبح يأمرهم بالقاء قنابل النابالم على النساء والأطفال في فيتنام ، والقنبلة الذرية على المدن كـ " هيروشيما " و " ناكازاكي " لافناء خلق الله . { وَمَن يَتَّخِذِ ٱلشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِّن دُونِ ٱللَّهِ } أي يطيعه { فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً } . حيث يصبح ضحية الأهواء والشهوات ، وأسير الأوهام والخرافات . { يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمْ ٱلشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً } . حيث سار بهم على طريق التهلكة بعد ان زين لهم انه سبيل النجاة ، فالزاني أو شارب الخمر مثلاً يخيل اليه انه يتمتع باللذائذ ، وهو في واقعه يتحمل أعظم المضار دنيا وآخرة . { وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصاً } . أي ان حزب الشيطان من المشركين والمفسدين لا نجاة لهم من عذاب الله …