Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 45, Ayat: 21-26)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اجترحوا السيئات : اكتسبوا الخطايا والكفر . مَحياهم : حياتهم . مَماتهم : موتهم . اتخذ إلهه هواه : من اتخذ هواه معبودا له يجري وراء متعته ولذاته ولا يتقيد بشرع ولا دين . وما يُهلكنا الا الدهر : هؤلاء الملاحدة الذين لا يؤمنون باله يقولون : لا وجود للاله وانما نولد ونموت طبيعيا . لا يمكن ان يكون المحسنُ والمسيء في منزلة واحدة ، ولا يجوز ان نسوّيَ بين الفريقين في الحياة الدنيا ، وفي دار الآخرة . كلا لا يستوون في شيء منهما . كما قال تعالى : { لاَ يَسْتَوِيۤ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ وَأَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمُ ٱلْفَآئِزُونَ } [ الحشر : 20 ] . فالله سبحانه وتعالى قد أقام هذا الكون بما فيه على نظام ثابت ، وعلى اساس الحق والعدل ، فاذا استوى المؤمن والكافر ينتفي العدل . وهذا محالٌ على الله تعالى . وكذلك قال في آية اخرى : { أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ } [ السجدة : 18 ] . يتكرّرُ ذكر اقامة هذا الكون على اساس العدل والحق كثيرا في القرآن الكريم ، لأنه أصلٌ من أصول هذه العقيدة . من ثم علينا ألا نأسف عندما نرى أناساً يتقلبون في النعيم ، وهم من الفَجَرة الفسقة ، فان وراءهم حساباً عسيرا ، فلا نعيمُ الحياة الدنيا دليل على رضا الله ، ولا بؤسُها دليل على غضبه . ولذلك يقول تعالى : { وَخَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ وَلِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } وفي هذه الآية تعليل قويّ لنفي المساواة بين المحسن والمسيء ، وهو أن تُجزى كل نفس بما كسبت من خير او شر { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } . ثم يُتبع الله ذلك بصورة عجيبة لأولئك الناس الذين لا يتقيّدون بدين ، ولا يتمسكون بخلُق : أرأيتَ أيها الرسُول مَن ركب رأسه ، وترك الهدى ، وأطاع هواه فجعله معبوداً له ، وضل عن سبيل الحق وهو يعلم بهذا السبيل { عَلَىٰ عِلْمٍ مِنْهُ } ثم مضى سادِراً في ملذّاته غير آبهٍ بدين ولا خلق ! ؟ لقد أغلقَ سمعه فلا يقبل وعظاً ، وقلبه فلا يعتقد حقا { أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } ، يا مشركي قريشٍ هذا ؟ انها صورة عجيبة من الواقع الذي نراه دائماً ، وما اكثر هذا الصنف من الناس . واتباعُ الهوى هذا قد ذمّه اللهُ في عدة آيات من القرآن الكريم . { وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ ٱلْكَلْبِ } [ الأعراف : 176 ] { وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً } [ الكهف : 28 ] . { وَلاَ تَتَّبِعِ ٱلْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } [ ص : 26 ] . نسأل الله السلامة . ثم بعد ذلك يذكر اللهُ مقالةَ المنكرين للبعث ، والذين يقال لهم الدَّهرِيّون . هؤلاء الناس أنكروا البعث وقالوا : ما هي إلا حياتنا الدنيا هذه ، نموتُ ونحيا وما يُهلكنا الا الدهر . { وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ } إنهم لا يقولون ذلك عن علمٍ ويقين ، ولكن عن ظنّ وتخمين ، واوهامٍ لا مستَنَدَ لها من نقل او عقل . ولمّا لم يجدوا حجةً يقولونها تعلّلوا بقولهم : ان كان ما تقوله يا محمد حقاً فلْتُرجِع آباءنا الموتى الى الحياة { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } . وهنا أمر الله تعالى رسولَه الكريم ان يقول لهم : الله يحييكم في الدنيا من العدَم ثم يميتكم فيها عند انقضاء آجالكم ، ثم يجمعُكم يومَ القيامة الذي لا شك فيه ، { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } قدرةَ الله على البعث ، لإعراضهم عن التأمل في آيات الله وملكوته . قراءات قرأ حمزة والكسائي وحفص : سواءً محياهم ، بنصب سواء . والباقون : سواءٌ بالرفع . وقرأ حمزة والكسائي : غشوة ، والباقون : غشاوة . قال في لسان العرب الغشاء : الغطاء ، وعلى بصره وقلبه غشوة وغشوة مثلثة العين ، وغشاوة وغشاوة بفتح الغين وكسرها ، وكلها معناها الغطاء .