Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 49, Ayat: 12-12)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اجتنبوا : ابتعِدوا . الاثم : الذنب . ولا تجسّسوا : اصلها تتجسسوا بتائين : لا تبحثوا عن عورات الناس ومعايبهم . الغيبة : ذِكر الانسان بما يكره في غيابه . في هذه الآية الكريمة أدبٌ رفيع للمؤمنين حتى يعيشوا في مجتمع فاضل ، تكون فيه حرياتُهم مكفولة ، وحقوقهم محفوظة ، فلا يؤخذون بالظن ، ولا يحاكَمون بريبة ، فالانسان بريء حتى يثبت عليه الجرم . روى الطبراني عن حارثة بن النعمان ان النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اذا ظننتَ فلا تحقّق " وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه قال : " لا تظننّ بكلمة خرجتْ من أخيك إلا خيرا ، وانتَ تجدُ لها في الخير محملا " . يا ايها الذين آمنوا : ابتعِدوا عن كثير من ظنّ السوء بالناس ، إن بعض الظن إثمٌ يستوجب العقوبة . وهذا تهذيبٌ رفيع لنا يرفع من مستوى مجتمعنا ، ويديم الوئامَ والمودة بيننا ، ويزيد توثيقَ رباط المجتمع الاسلامي الفاضل قُوةً ومنعة . { وَلاَ تَجَسَّسُواْ } وهذا أمر ثانٍ من أوامر الله العليا يُبعدنا فيه عن الاعمال الدنيئة ، لتطهير قلوبنا ونظافة اخلاقنا ، حتى يكفُلَ حرياتِ الناس وحرماتِهم وكرامتهم ، التي لا يجوز ان تُنتهَك ولا تمسّ بحال من الاحوال . فما دام الانسان في بيته قد ستر نفسه عن الناس فلا يجوز لنا ان نتتبّع عوراتِه ، ولا البحث عن سرائره ، لأن الاسلام يريد ان يعيش الناس آمنين على أنفسهم مطمئنين في بيوتهم ، ولنا الظواهُر ، ولا يجوز لنا أن نتعقب بواطن الناس وما أخفوه . قال عبد الرحمن بن عوف : حرستُ مع عمر بن الخطاب رضي الله عنهما بالمدينة ، إذ تبين لنا سراجٌ في بيتٍ بابه مغلقٌ على قوم لهم اصوات مرتفعة ولَغَط ، فقال عمر : هذا بيت ربيعة بن أمية بن خلف ، وهم الآن يشربون ، فما ترى ؟ قلت : أرى أنّا قد أتينا ما نهى الله عنه ، قال تعالى : { وَلاَ تَجَسَّسُواْ } وقد تجسّسنا . فانصرفَ عمر وتركهم . وفي الحديث الصحيح : " من ستر عورةً فكأنما استحيا موْؤدة من قبرِها " رواه ابو داود والنسائي . وفي الحديث ايضا عن سفيان الثوري عن معاوية بن ابي سفيان : قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " انك إن اتبعت عوراتِ الناس أفسدتَهم أو كِدتَ تفسدهم " رواه ابو داود . { وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ } ولا يذكرْ بعضكم بعضا بما يكره في غيبته ولو بإشارة او نحو ذلك ، لما في ذلك من اذى للناس . والمراد بما يكره : ما يكرهه في دينه او دنياه او خلُقه او خلْقه او ماله او ولده او زوجته وفي كل ما يؤذيه . قال الحسن البصري : الغيبة ثلاثة أوجهٍ كلّها في كتاب الله : الغيبة ، والافك والبهتان . فأما الغيبة : فهي ان تقول في أخيك ما هو فيه . واما الافك : فان تقول فيه ما بلغك عنه وقد يكون ذلك غير صحيح . واما البهتان : فان تقول فيه ما ليس فيه . والغيبة من الجرائم الكبيرة ، والذي يريد التوبة منها عليه ان يستغفر لمن اغتابه ، او يذهب اليه ويطلب العفو منه . ولبشاعة الغيبة ، وكراهتها يعبّر عنها الله تعالى بهذا التعبير العجيب للتنفير منها والبعد عن إيذاء الناس فيقول : { أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ } تصوروا هذا التمثيلَ الفظيع الذي تتأذى منه النفوس . وقد وردتْ أحاديثُ كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم تنفر المسلمين من الغيبة ، ليرفع الله من نفوسهم ويطهرها ، ويبني مجتمعا طاهرا مثاليا . واستثنى العلماء من تحريم الغيبة ، الملحدَ في الدين ، والحاكمَ الجائر ، والفاسقَ المجاهِر بالفسق ، وتجريحَ الشاهد عند القاضي ، والمتظلّمَ في أمر هام ، وراوي حديث الرسول الكريم ، { لاَّ يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوۤءِ مِنَ ٱلْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ } [ النساء : 148 ] . ثم بعد ذلك يأتي تعبير لطيف { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ } بابُه دائماً مفتوح للتوبة ، وهو مع كل ما يأتيه الناس من مخالفات ومعاصي رحيم يقبل التوبة فلا تقنطوا من رحمة الله . قراءات : قرأ يعقوب : ميتا بتشديد الياء . والباقون : ميتا باسكان الياء .