Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 112-115)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

المائدة : خِوان الطعام ، او الطعام نفسه . العيد : الفرح والسرور ، او الموسم الديني الذي يجتمع الناس له في أيام معينة من السنة . آية منك : علامة . لا يزال الكلام عن سيدنا عيسى وأُمه ، وهذا عرضٌ لشيء من نعمة الله على قومه ، ومن معجزاته التي أيّده الله بها وشهد بها الحواريون ، وعدد كبير من قومه . اذا قال الحواريون : يا عيسى : هل يجيبك ربك لو سألته أن يُنزل علينا مائدة من السماء ؟ فأجابهم : يا قوم ، خافوا الله من أمثال هذا السؤال ان كنتم تؤمنون به ، ولا تطلبوا حُججاً غير التي قدمتها لكم . قالوا : نريد أن نأكل من هذه المائدة . عند ذاك تطمئن قلوبنا بما نؤمن به من قدرة الله ، ونعلم بالمشاهدة الحيّة انك قد صَدَقتنا فيما أخبرتنا عنه ، ونشهد لك بالمعجزة عند قومنا . فاستجاب لهم عيسى وقال : يا ربّنا ومالِكَ أمرِنا ، أَنزلْ علينا مائدة من السماء يكون يوم نزولها عيداً للمؤمنين منا ، ولتكون معجزة نؤيّد بها دعوتك ، وارزُقنا رزقاً طيبا ، وانت خير الرازقين . قال الله تعالى : سأُنزل المائدة عليكم من السماء ، فأيّ امرىء منكم يكفر بعد ذلك فسوف أعاقبه عقاباً لا أعاقِب بمثله احدا من الناس … فلقد كفر بعد ما شاهد دليل الإيمان الذي اقترحه . وبين لنا هذا الحوار بين المسيح والحواريّين ، ذلك الفرق الكبير بين الحواريّين وأصحابِ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم . فلقد شاهد الحواريون كثيراً من المعجزات التي اظهرها الله على يد رسولهم ، ومع ذلك فهاهم يطلبون معجزة جديدة لتطمئن نفوسهم . اما أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام فإنهم لم يطلبوا أية معجزة بعد اسلامهم … لقد اطمأنت قلوبهم مذ خالطتها بشاشة الايمان ، وصدّقوا رسولهم ، ومضوا في سبيل الله يعملون في نشر الاسلام ، ولم يطلبوا على ذلك دليلا . ولقد تكلم المفسرون كثيراً في موضوع المائدة ، هل نزلت فعلاً ام ورد ذلك لضرب المثل ، كما تكلم بعضهم في ألوان طعامها ، وأطلقوا لخيالهم العنان في كل ذلك . ونحن لا نرى فائدة في ذكر كل ذلك ، بل نضرب عنه صفحا ، ولكنّنا نشير الى أنه قد ورد عن الحسن البصري ، ومجاهد المفسّر الكبير وقَتادة أحد كبار المحدّثين انها لم تنزل . وقالوا في تأويل قوله تعالى { إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ … } الى آخر الآية . إن الحواريّين لمّا سمعوا هذا الوعيد قالوا : إننا نستغفر الله ولا نريدها . هذا وقد استدل بعض الكاتبين على عدم نزولها بأن قال : إن النصارى لا يعرفونها وليس لها ذكر في كتبهم . ونحن نقول : إن كتب النصارى التي بين أيديهم كتب ناقصة ، فليست هي كل ما جاء به عيسى . اما الاناجيل الاربعة المتداولة فلا تعدو كونها تراجم سيرةٍ لحياة المسيح كتبها أُناس مجهولين بعد المسيح بمدة طويلة . وقد كتبت هذه الاناجيل من الذاكرة ، وهي ليست الا قصصاً منقّحاً للأناجيل التي بلغ عددها فوق الخمسين انجيلا . وقد قرر مجمع نيقية المنعقد في سنة 325 ميلادية برئاسة الامبراطور قسطنطين البيزنطي اعتماد هذه الاناجيل الاربعة ، وإعدام ما عداها . فالأمر انتقائي وافق هوى نفس الحاكم . ويعلّمنا التاريخ في مثل هذه الحال ان الحاكم لا ينتقي الا ما يتفق ومصلحته في السيطرة والحكم ، دون النظر الى الصدق او غيره . وقد ذكر القرآن الكريم هذه الحقيقة ، ولا يلزم ان يكون كل ما قصّه الله تعالى في القرآن قد قصّه في غيره من الكتب المتقدمة ، فليس الأمر تجميل طبعات الكتاب الواحد ، كما لا يلزم ان يكون أصحاب الاناجيل المارون عدم ذكرهم لقصة المائدة دليلا على عدم ورودها . يقول الاستاذ الإمام الشيخ محمد عبده فيما يختص بنسبة القصص القرآني عامة الى كتب العهد القديم : " وإذا ورد في كتب اهل المِلل او المؤرخين ما يخالف بعض هذه القصص ، فعلينا ان نجزم بأن ما أوحاه الله الى نبيه ونُقل إلينا بالتواتر هو الحق ، وخَبَره الصادق ، وما خالفه هو الباطل ، وناقله مخطىء او كاذب ، فلا نعدّه شُبهة على القرآن ، ولا نكلف انفسنا الجواب عنه . فإن حال التاريخ قبل الإسلام كانت مشتبهة الأعلام ، حالكه الظلام ، فلا رواية يوثق بها في معرفة رجال سندِها . وقد انتقل العالَم بعد نزول القرآن من حال الى حال ، فكان بداية تاريخ جديد للبشر ، كان يجب عليهم لو أنصفوا أن يؤرخوا به أجمعين " . هذا ونحن نؤمن بما قصه القرآن الكريم من ان الحوارين قد سألوا عيسى ان يُنزل عليهم الله المائدة ، فسأل عيسى ربه ذلك ، واجاب الله سؤاله على كيفيةٍ اقنعتهم . لا يفوتنا هنا ان نشير الى انه قد ورد في الاناجيل خبر يشبه خبر المائدة . ففي إنجيل متّى ، نهاية الاصحاح الخامس عشر : " واما يسوع فدعا تلاميذه ، وقال إني أُشفق على الجميع ، لأن لهم الآن ثلاثة أيام يمشون معي ، وليس لهم ما يأكلون ، ولست اريد ان اصرفهم صائمين لئلا يخوروا في الطريق ، فقال له تلاميذه : من أين لنا في البرية خُبز بهذا المقدار حتى يُشبع جمعاً هذا عدده ؟ فقال لهم يسوع : كم عندكم من الخبز ؟ فقالوا : سبعة وقليل من صغار السمك . فأمرالجموع أن يتكئوا على الأرض ، وأخذ السبع خبزات والسمك وشكَر وكسَر . وأعطى تلاميذه . والتلاميذ أعطوا الجمع . فأكل الجمع وشبعوا . ثم رفعوا ما فضُل من الكِسر سبع سلال مملوءة ، والآكلون كانوا آربعة آلاف ما عدا النساء والأولاد " . فإذا سلّمنا جَدَلاً ، بصحة هذا الخبر وأمثاله مما ورد في الاناجيل التي كتبت بعد المسيح بأجيال ، فان خبر المائدة أحق بالتسليم وأصوب . ولماذا لا يكون هذا الخبر نفسه هو حديث المائدة ، لكنّه جاء محرَّفاً لأنه كُتب من الذاكرة بعد سنين عديدة ! ! قراءات قرأ الكسائي " هل تستطيع ربك " , وقرأ نافع وعاصم وابن عامر " إني منزلها " بالتشديد . والباقون " منزلها " .