Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 33-34)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يحاربون الله : الذين يتعدون على الناس بالقتل والنهب وترويع الآمنين ، ويخرجون على أحكام الشرع ، ويفسدون في الأرض بقطع الطريق أو نهب أموال الناس … والاحتكارُ ضربٌ من النهب . وعقابهم على اربعة انواع : إما القتل او الصلب ، او تقطيع الايدي والأرجل من خلاف . ( أي ان تُقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى أو العكس ) او النفي من البلد الذي هم فيه . والعقوبة اللازمة على قدر الجريمة المقترفة ، وولاة المسلمين عن حقٍّ وجدارة هم الذين يقضُون في ذلك . والحكمة في عدم التعيين والتفصيل أن المفاسد كثيرة تختلف باختلاف الزمان والمكان ، فيختلف ضررها كذلك فللإمام الّذي يختاره المسلمون ان يقتلهم ان قتلوا ، او يصلبهم ان جمعوا بين أخذ المال والقتل ، او يقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ان اقتصروا على أخذ المال ، او أن يُنْفَوا من الأرض ان أخافوا الناس وقطعوا عليهم الطرق ولم يقتلوا . ان ذلك العقاب ذلّ لهم وفضيحة في الدنيا ليكونوا عبرة لغيرهم من الناس ، وجزاؤهم عذاب عظيم في الآخرة . ثم استثنى ممن يستحقون العقوبة من تاب قبلَ ان يقدر عليه الحاكم . فإن عقوبة الحاكم تسقط عنه ، وتبقى حقوقُ العباد ، او الحقوق الخاصة ، فهي لا تسقط عنهم الا اذا سامح أصحاب الحقوق . فاذا رأى الحاكم ان يُسقط الحق الخاص عن الجاني التائب ، ولمصلحةٍ هو يراها وجب على ذلك الحاكم ان يعوض اصحاب الحقوق من مال الدولة . وفي هذا الحكم بيانُ ان الشريعة الاسلامية تنظر الى آثار الجريمة التي فيها اعتداء مباشر على المجتمع ، وتجعل العقوبة بقدر ما تحدثه الجريمة من اضطراب فيه ، لا بقدر ذات الجرائم المرتكبة فقط . ويُروى في سبب نزول هاتين الآيتين أن نفراً من قبيلة عُكل وعرينة قدموا المدينة ، واعلنوا الاسلام ، فأمر لهم النبيّ بعدد من الإبل وراعٍ ، وأمرهم ان يقيموا خارج المدينة ، فانطلقوا حتى اذا كانوا بناحية الحَرَّة كفروا بعد إسلامهم ، وقتلوا الراعي وهربوا بالابل . وحين بلغ النبيَّ بعث بعض أصحابه فأدركوهم ، وأحضروهم الى المدينة . فعاقبهم الرسول الكريم أشد عقاب وقُتلوا جميعاً . وعلى كل حال فإن العبرة بعموم اللفظ . وقد احتج بعموم هذه الآية جمهور العلماءِ وقالوا : ان حكْم الذين يحاربون الله قائم ، في اي مكان حصل منهم الاعتداء ، في المدن والقرى ، ام خارجها ، لقوله تعالى : { وَيَسْعَوْنَ فِي ٱلأَرْضِ فَسَاداً } . وهذا مذهب مالك والأوزاعي واللّيث بن سعد ، والشافعي واحمد بن حنبل . وزاد مالك فقال : ان الذي يحتال على الرجل حتى يُدخله بيتاً فيقتله ويأخذ ما معه انما قد حارب الله ، دمُه مهدور ، يقتله السلطان ، حتى لو عفا عنه أولياء المقتول . وقال ابو حنيفة وأصحابه : لا تكون المحاربة الا في الطرق وخارج المدن .