Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 90-91)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الخمر : كل شراب مسكر . الميسر : القمار . الانصاب الأصنام التي نصبت للعبادة ، وكانوا يذبحون قرابينهم عندها . الأزلام : قِداح اعواد من الخشب بهيئة السهام كانوا يستقسمون بها في الجاهلية . الرجس : المستقذَر حساً او معنى . بعد ان نهى سبحانه عن تحريم الحلال من الطيبات ، وامر بأكل الطيّب من الرزق ، نظر إلى الخمر والميسر والازلام . وكانت هذه من الطيبات في الجاهلية ، وكان العرب يشربون الخمر بإسراف ، بل يجعلونها من المفاخر التي يتسابقون في مجالسها . وكان يصاحب مجلسَ الشراب نحرُ الذبائح ، واتخاذ الشواء منها للشاربين ، والمقامرة عليها بالأزلام . كذلك كانوا يذبحون قرابينهم عند الانصاب … فنهى الله تعالى عن هذه المفاسد كلها نهياً قاطعاً ، بعد ان مهد لتحريم الخمر مرتين قبل هذه الآية . وأول ما ذُكرت الخمر في سورة النحل ، وهي مكيّة ، في قوله تعالى { وَمِن ثَمَرَاتِ ٱلنَّخِيلِ وَٱلأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً … } الآية . ثم نزل في المدينة وفي سورة البقرة : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا … } الآية فالمنافع في الربح والتجارة ، والإثم في الشر والمفاسد التي تنجم عنهما . وقد تركها بعضُ الصحابة ، واستمر آخرون . ثم نزل قوله تعالى في سورة النساء : { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ … } الآية كذلك تركها البعضُ واستمرّ عليها آخرون . وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه دائما يقول : اللهم بَيّن لنا في الخمر . وقد حدثت حوادث بين بعض الأنصار ونفرٍ من قريش ، وهم على الشراب ، وكان من جملة الذين لحقهم أذى سعد بن أبي وقّاّص حيث ضربه احد الانصار ففَزَر له أنفه . وحين نزلت { يَـۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ … } الآية كانت الحاسمة في تحريم الخمر تحريماً قاطعاً . يا أيها الذين صدَّقوا بالله ورسوله : إن الخمر التي تشربونها ، والميسر الذي تقامرون به ، والاصنام التي تذبحون عندها قرابينكم ، والازلام التي تستقسمون بها ، كل ذلك رِجسٌ قذِر من إغواء الشيطان لكم ، وقد كرهه الله لكم ولذلك حرّمها ، فاجتنبوها نهايئاً ، رجاء ان تفلحوا وتفوزوا برضاه . { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ فِي ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلاَةِ } . بعد ان أمر الله تعالى باجتناب الخمر والميسر ذكر أن فيهما مفسدتين : احداهما دنيوية ، هي ايقاع العداوة والبغضاء بين الناس . والثانية دينية هي الصدّ عن ذكر الله وعن الصلاة التي هي عماد الدين . ثم اكد ذلك بهذا الاستفهام بقوله تعالى : { فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } ، أي انْتَهُوا عن هذه الأشياء . وأسمعُ بعض الناس يقولون : ان الخمر غير محرّمة ، لأنه لم يقل الله انها حرام صراحةً بل قال : اجتنبوه . وقولهم هذا كلام فيه الهوى والتذرّع بالتلاعب بالالفاظ لتعليل الأمور التي يحبونها ، فالقرآن ليس كتاب فقه حتى ينصّ على كل شيء بأنه حرام او حلال ، وانما هو قرآن كريم له اسلوب عربي فريد لا يدانيه اسلوب . واكبر دليل على تحريم الخمر تحريما نهائياً أن الله تعالى قرن الخمر بالميسر الذي هو القمار ، وبالأزلام والأنصاب ، وقد جاء تحريم الأزلام والانصاب صريحاً بقوله تعالى في أول هذه السورة { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ وَٱلْمُنْخَنِقَةُ وَٱلْمَوْقُوذَةُ وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِٱلأَزْلاَمِ ذٰلِكُمْ فِسْقٌ … } الآية ولما نزلت { إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ … } الآية قال سيدُنا عمر : أُقرِنْتِ بالميسِر والأنصابِ والأزلام ، بعداً لكِ وسحُقا . فإذا كانت عبادة الأصنام والذبحُ عندها تقرّباً لها حلالا ، فإن الخمر تكون حلالا ، واذا كانت الأزلام والاستقسام بها حلالا ، فإن الخمر تكون كذلك ، واذا كان الميسر والمقامرة حلالاً فإن الخمر كذلك تكون حلالا … فالذين يقولون بتحليلها أناس يتّبعون أهواءهم ، ولا يخشَون الله فيما يقولون . والأزلام : هي سهام من خشب ، وهي ثلاثة أقسام . ( 1 ) قِداح الميسر وهي عشرة واسماؤها كما يلي : الفَذّ والتوأم والرقيب والحِلْسُ والنافِس والمُسيل والمعلَّى والمَنِيح والسَّفِيح والوغد ، ولكل واحدٍ من هذه نصيبٌ اذا فاز ، واذا خاب عليه ذلك النصيب . وأعلاها المعلَّى له سبعة أجزاء . ( 2 ) والقسم الثاني : ثلاثة ازلام : مكتوب على أحدها : امرني ربي ، وعلى الثاني نهاني ربي ، والثالث غُفل ليس عليه كتابة . ( 3 ) وهذا القسم للأحكام . وكانت العرب في الجاهلية إذا أراد أحدهم سفراً او تجارة او نكاحاً او اختلفوا في نسب ، أو أمر قتيل أو تحمُّل دية مقتول او غير ذلك من الامور جاء الى هُبَل ، أعظم صنم في الكعبة لقريش ، وقدّم مائة درهم الى السادن ، فيخرج له القداح ويسحب واحداً منها من الكيس التي هي فيه . فإذا خرج أمرني ربي ، أمضى عمله ، والا تركه . ولقد حرم الإسلام هذه الأمور لأنها تشتمل على مفاسد ، والاسلام يريد ان يبني مجتمعاً نقيا طاهرا .