Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 151-153)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الاملاق : الفقر . الفواحش : مفردها فاحشة ، وهي كل ما قبح من الاقوال والافعال . يبلغ أشُده : تكتمل قواه العقلية والجسمية ببلوغ سن الرشد . القسط : العدل . لا تتبعوا السُبل : لا تحيدوا عن تعاليم الإسلام فتخسروا . بعد ان بين الله لعباده جميع ما حرّم عليهم من الطعام ، وذكر حجته البالغة على المشركين ، لتحريمهم ما لم يحرّمه الله ، ثم دحض شُبهتهم التي احتجوا بها على شِركهم بربهم - جاء بهذه الآيات الثلاث فيها تبيان أصول المحرمات في الاقوال والافعال ، واصول الفضائل وانواع البر . وقد عبر عنها بعض المفسرين بالوصايا العشر . قل لهم ايها النبي : تعالوا أبيّن لكن المحرمات التي ينبغي ان تهتموا بها وتبتعدوا عنها : 1 - لا تجعلوا لله شريكاً ما ، بأي نوعٍ كان من انواع الشرك . 2 - وأحسنِوا الى الوالدين غاية الإحسان والبر . 3 - ولا تقتلوا أولادكم بسبب فقرٍ نزل بكم ، فلستم ، انتم الرازقين ، بل نحن الذين نرزقكم ونرزقهم . 4 - وابتعِدوا عن كل ما عظم قُبحه من الأعمال . وقد جاءت كلمات فاحشة وفحشاء وفواحش في كثير من الآيات ، من ذلك قوله تعالى : { إِنَّ ٱلصَّلاَةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ } وقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَآءِ } . { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } . { يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ } فكل عمل قبيح هو فاحشة . وقد روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : " لا أحدٌ أَغْيرُ من الله ، من أجل ذلك حرّم الفواحش : ما ظَهر منها وما بطَن " . 5 - { وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } ، يعني إذا استحق القاتل ذلك . وفي الحديث الشريف " لايحل دم امرئ مسلم الا بأمور ثلاثة : كفرٌ بعد ايمان ، وزنا بعد إحصان ، وقتل نفس بغير حق " . { ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } . أمركم الله تعالى أمراً مؤكّدا باجتناب هذه المنهيات لتعقلوا ذلك . 6 - ولا تتصرفوا في مال اليتيم الا بأحسنِ تصرُّف يحفظه وينميه ، فاحفظوا مال اليتيم ، وثمّروه ، وأنفقوا منه على تربيته وتعليمه ما يصلُح به معاشه واستمرّوا على ذلك حتى يبلغ رُشده ، ويستطيع ان يستغل ماله بالتصرف السليم . فإذا بلغ فسلِّموه إليه كما قال تعالى في آية اخرى . { فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً فَٱدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } . 7 - وأتِمّوا الكيل إذا كِلتم للناس ، او اكتلتم لأنفسكم . وأفو الميزانَ إذا وزنتم لأنفسكم فيما تبتاعون ، او لغيركم فيما تبيعون ولا تكونوا من أولئك المطففين الذين وصفهم الله بقوله : { ٱلَّذِينَ إِذَا ٱكْتَالُواْ عَلَى ٱلنَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ } . { لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } فالله تعالى لا يكلّف نفساً الا ما تستطيعه دون حرج . وهذا الامر وقع في الأُمم التي قبلَنا قديماً كما حكى الله تعالى عن قوم شعيب بقوله : { وَيٰقَوْمِ أَوْفُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ } . وقال صلى الله عليه وسلم لأصحاب الكيل والميزان : " إنكم وُلِّيتم أمراً هلكتْ فيه الأمم السالفةُ قَبلكم " . ولا يزال ذلك يقع من كثير من ضعاف النفوس . 8 - { وَإِذَا قُلْتُمْ فَٱعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ } اذا قلتم قولاً في حكمٍ او شهادة او خير او نحو ذلك ، فلا تميلوا عن العدل والصدق ، دون مراعات لصِلة القرابة او المصاهرة او الجنس . فبالعدل والصدق تصلح شئون الأمم والافراد ، فلا يحلُّ لأحد ان يحابي احداً لقرابة او غيرها { يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلْقِسْطِ } و 9 - { وَبِعَهْدِ ٱللَّهِ أَوْفُواْ } وأوفوا بعهد الله ، فلا تنقُضوا عهده الذي أخذه عليكم بالتكليف ، ولا العهود التي تأخذونها بينكم ، فيما يتلعق بالمصالح المشروعة { وَٱلْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ } . فمن آمن فقد عاهد الله حين الإيمان به ان يمتثل أوامره ونواهيه ، وما شرعه للناس ووّصاهم به . روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمران ان النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أربعٌ من كنّ فيه كان منافقاً خالصا ، ومن كانت فيه خصلة منها كانت فيه خصلة من النِفاق حتى يدَعَها : اذا حدَّث كذَب ، واذا وعَد أخلف ، واذا عاهد غدر ، واذا خاصم فجر " . { ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } ان ذلك الذي تلوتُه عليكم من الأوامر والنواهي وصاكم الله به رجاء ان يذكره بعضكم لبعض مثل قوله تعالى : { وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ } . { وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ } . وان هذا القرآن الذي ادعوكم اليه ، وادعوكم به الى ما يحييكم ، هو صراطي ومنهاجي الذي اسلكه الى مرضاة الله ، لا يَضِلُّ سالكه ، ولا يهتدي تاركه . 10 - لا تتعبوا الطرق الباطلة المضلّة التي نهاكم الله عنها ، حتى لا تتفرقوا شيعا واحزابا ، وتبعدواعن صراط الله المستقيم ، كما هو حاصلٌ اليوم . فنحن لنا في كل خِربةٍ دولةٌ ذات مجد ! ! وفي كل بيت عدة شِيع وأحزاب ! ! هدانا الله وتجاوز عما نحن فيه من مخادعة ! اخرج الامام احمد والنسائي وابو الشيخ عن عبد الله بن مسعود قال : " خطّ رسول الله خطاً بيده ، ثم قال : سبيلُ الله مسقيما ، ثم خط خطوطاً عن يمين ذلك الخط وعن شماله ثم قال : وهذِه السبُل ليس منها سبيل الا عليه شيطان يدعو اليه " ثم قرأ : { وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ } . وقد جعل الله تعالى المستقيم واحدا والسبلَ المخالفة متعددة ، لأن الحق واحدٌ والباطل كثير . ولما كان اتباع الصراط المستقيم وعدم التفرق فيه يجمع الكلمة ويعز اهل الحق ، كان التفرق فيه سبب الضَّعف وذل المتفرقين وضياع حقهم . { ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } لقد أوصاكم باتباع صراط الحق المستقيم ونهاكم عن سبل الضلالات والأباطيل ليهيئكم لاتقاء كل ما يشقي ويردي في الدنيا والآخرة . وقد وردت احاديث كثيرة بشأن هذه الوصايا ، من ذلك ما أخرجه عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أَيُّكم يبايعني على هؤلاء الآيات االثلاث ؟ ثم تلا : قل تَعالوا أتلُ ما حرّم ربُّكم عليكم … ثم قال فَمن وفى بهنّ فأجرُه على الله ، ومن انتقص منهنّ شيئاً فأدركه الله في الدُّنيا كانت عقوبتُه ، من أخّر إلى الآخرة كان أمرُه الى الله ، إن شاء أخذه وان شاء عفا عنه " . قراءات : قرأ حمزة والكسائي " وإن هذا طرطي " بكسر همزة إن . وقرأ ابن عامر ويعقوب " وأنْ هذا صراطي " بفتح همزة أَن وبتخفيف النون وقرأ ابن عامر " صراطيَ " بفتح الياء والباقون بتسكين الياء . وقرأ نافع وابن كثير وابو عمرو وعاصم : وأنَّ ، بفتح الهمزة وتشديد النون . لقد رسمتْ هذه الآيات للإنسان طريق علاقته بربه الذي يرجع اليه الاحسان والفضل في كل شيء : " ألاّ تُشرِكوا به شيئا " ، ووضعت الأساس المتين الذي يُبنى عليه صرح الأُسَر التي تكوِّن الأمةَ القوية الناجحة في الحياة : " وبالوالدَين إحسانا " ، وسدّت منافذ الشر الذي يصيب الانسان من الانسان في الأنفُس والأعراض والاموال ، وهي عناصر لا بدّ لسلامة الأُمة من سلامتها : " ولا تقتلوا أولادَكم " ، " ولا تقتلوا النفسَ " " ولا تقربوا مال اليتيم " ثم ذكرتْ أهمّ المبادئ التي تسمو الحياة الاجتماعيةُ بالتزامِها والمحافظة عليها : " وأوفوا الكيلَ والميزان " " واذا قُلتم فاعِدلوا " " وبعهدِ الله أَوفوا " وخَتمت بأن هذه التكاليف ، وتلك المبادئ ، هي الصِراط المستقيم ، بُعِث به محمد عليه الصلاة والسلام ، كما بعث به جميع الرسل السابقين . وقد اطلق العلماء على ما جاء في هذه الآيات الثلاث " الوصايا العشر " نظرا لتذييل آياتها الثلاث بقولِ الله : " ذلكُم وصّاكم به " وقد روي عن عبد الله بن مسعود انه قال : " مَن سرَّه أن ينظر الى وصيّةِ محمد التي عليها خاتَمُه فليقرأْ هذه الآيات : { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ … } إلى قوله : { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } . ورُوي عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ، قال : " لما أمر الله نبيّه صلى الله عليه وسلم ان يَعرِض نفسه على قبائل العرب خرج إلى مِنَى وأنا وأبو بكرٍ معه . فوقف رسول الله على منازل القوم ومضاربهم ، فسلَّم عليهم وردّوا السلام . وكان في القوم مفروقُ بن عمرو ، وهانئ بن قَبيصة ، والمثنّى بنُ حارثة والنعمانُ بن شَريك . وكان مفروق أغلبَ القوم لساناً وأوضَحهم بياناً ، فالتفتَ إلى رسول الله وقال له : إلامَ تدعو يا أخا قريش ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أدعوكم إلى شهادة ان لا إلهَ الا الله وحدَه لا شريك له ، وأَنّي رسولُ الله ، وان تُؤوُني وتنصروني وتمنعوني حتى أوْدّيَ حقّ اللهِ الذي أمرني به ، فإن قريشاً قد تظاهرتْ على أمر الله ، وكذّبت رسوله ، واستغنت بالباطل عن الحق ، والله هو الغني الحميد . فقال مفروق : وإلامَ تدعو أيضاً يا أخا قريش ؟ فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : { قل تعالوا أتلُ ما حرّم ربكم عليكم … } الآيات الثلاث . فقال مفروق : وإلامَ تدعو أيضا يا أخا قريش فو الله ما هذا من كلام أهل الأرض ، ولو كان من كلامهم لعرفناه . فتلا رسولُ الله : { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاءِ وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } فقال مفروق : دعوتَ واللهِ يا قرشِيُّ إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الاعمال ، وقد أفِكَ قوم كذّبوك وظاهروا عليك . وقاله هانئ بن قبيصة : قد سمعتُ مقالتك واستحسنتُ قولك يا أخا قريش ويعجبني ما تكلّمت به . فبشّرهم الرسول - إن آمنوا - بأرضِ فارسَ وانهارِ كسرى . فقال النعمان : اللهمُّ وإنّ ذلك يا اخا قريش ؟ فتلا رسول الله قوله تعالى : { إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَدَاعِياً إِلَى ٱللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً } ثم نهض رسول الله وتركَهم وكلًّهم يعجَب من هذه الفصاحة ، وتلك المعاني السامية ، والفضائل العليا " . هذه مكانة الآيات الثلاث من ذلك الكتاب العظيم ، وهذا مبلغ تأثيرها في نفوس العرب ، أهلِ الجاهلية ! وكيف لا تكون لها تلك المكانةُ وقد جمعتْ بأسلوبها الآخذِ بالقلوب أصولَ الفضائل ، وعُمُدَ الحياة الطيبة التي تنبع من الفطرة السليمة ! ! وبعد ، فأين المسلمون اليوم حينما يمسعون هذه الآيات ، ثم ينظرون إلى ما هم فيه من تفرُّقٍ في الآراء والأحكام ، ومجافاةٍ لاحكام الله ، وبُغضٍ لما لا يتفق واهواءَهم منها ، ومن الارتماء في أحضان أعدائهم المستعمرين ، قدامى وجُدُد ! ! نسأل الله تعالى ان يجمعنا على كتابه الكريم ويهدينا الصراط المستقيم .