Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 161-165)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
دينا قيما : دين يقوم به امر الناس في معاشهم . وفي قراءة : " قيما " بفتح القاف وتشديد الياء : ومعناه ايضا : مستقيم ، ومنه قوله تعالى : { وَذَلِكَ دِينُ ٱلقَيِّمَةِ } يعني دين الامة المستقيمة . حنيفا : مخلصا لعبادة الله . نسكي : عبادتي محياي ومماتي : كل ما آتيه في حياتي ، وما اموت عليه من الايمان والعمل الصالح . ابغي : اطلب . الوزر : الحمل الثقيل والاثم ومعنى " لا تزر وازرة وِزْرَ اخرى " لا يؤخذ أحدٌ بذنب غيره خلائف : خلفاء ، مفرده خليفة ليبلوكم : ليختبركم . لما كانت هذه السورة أجمعَ السور لأصولِ الدين ، مع اقامة الحجج عليها ودفع الشبهة عنها ، وإبطال عقائد أهل الشرك وخرافاتهم - جاءت هذه الخاتمة بقول جامعٍ لجملة ما فُصّل فيها . وهو أن الدين القيّم والصراطَ المستقيم هم ملةُ إبراهيم دون ما يدّعيه المشركون ، وما حرّفه أهلُ الكتاب . وان النبي عليه الصلاة والسلام مستمسكٌ به ، معتصِمٌ بحَبْله ، يدعو اليه قولاً وعملا وأنه هو الذي أكمل الدينَ بعد ان انحرفت الامم السابقة عنه . ثم بيّن الجزاء عند الله على الأعمال ، لا يؤاخَذ أحدٌ بذنْب غيره ، وأن المرجعَ إلى الله ، فهو الذي يستخلف في الارض من يشاء ويختبر البشر بالنِعم والنِقَم ، يتولّى عقاب المسيئين ورحمةَ المحسنين ، فلا واسطة بينه وبين عباده . قل ايها النبي لقومك ولسائر البشر : إن ربّي أرشدَني الى طريق مستقيمٍ بلغ نهاية الكمال وكان هو الدينَ الذي اتّبعه ابراهيم مخلصاً في عبادة الله وحده ، مائلاً عن العقائد الباطلة ، فلم يعبد مع الله إلهاً آخر كما يزعم المشركون . ثم قل : إن صلاتي وجميع عبادتي ، وما آتيه حالَ حياتي من الاعمال الصالحة ، وما أموت عليه من الايمان - كله خالص لوجه الله ، الذي لاينبغي ان تكون العبادة إلاَّ له ، فهو رب العباد وخالقهم ، فاستحقّ أن يُعبد وحده ويُطاع . إنه لا شريك له في الخلق ، ولا في استحقاق العبادة ، وقد أمرني بالإخلاص في التوحيد والعمل ، وأنا اول المنقادين الى امتثال اوامره ، وترك ما نهى عنه . قل يا محمد منكِراً على المشركين دعوتهم اياك لموافقتهم في شركهم : أأطلب بالعبادة ربّاً غير الله ، مع انه خالقُ كل شيء ؟ وقل لهم : لا تكسِب كلُّ نفسٍ إثماً الا كان عليها جزاؤه دون غيرها ، ولا تؤاخذ نفس بأخطاء غيرها { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ } ثم تُبعثون يوم الحشر إلى ربكم ، فيخبركم بما كنتم تختلفون فيه من أمر أديانكم وعقائدكم ويجازيكم عليها . ليس للإنسان إلا ما عمل من عمل صالح ، وفي الحديث الصحيح فيما رواه مسلم وأبو داود والنَّسائي عن أبي هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا مات الانسان انقطع عملُه إلا من ثلاث : صدّقةٍ جارية ، اوعلم يُنتفع به ، او ولدٍ صالحٍ يدعو له " . إن ربكم ، الذي هو رب كل شيء ، هو الذي جعلكم خلفاء للأمم السابقة في عمارة الكون ، ورفعَ بعضَكم فوق بعض درجات في الكمال المادّيّ والمعنويّ ، ليختبركم فيما أعطاكم من النعم كيف تشكرونها ، وفيما آتاكم من الشرائع كيف تعملون بها . لكنه سريع العقاب للمخالفين العاصين . وهو سبحانه على سرعة عقابه وشديد عذابه للمشركين المخالفين ، غفورٌ للتّوابين رحيم بالمؤمنين المحسنين ، فلقد سبقت رحمتُه غضبَه ، ووسعتْ كل شيء . خلاصة ما اشتملت عليه وسورة الانعام من العقائد والاحكام : 1 - العقائد وأدلتها ، بأسلوب يجمع بين الاقناع والتأثير ، كبيان صفات الله بذكر أفعاله وسُننه في الخلْق ، وآياتِه في الانفس والآفاق ، وتأثير العقائد في الأعمال ، مع إيراد الحقائق بطريق الجدَل والمناظرة ، او على طريق السؤال والجواب ، وفي أثناءِ ذلك يأتي الردّ على شبهات المشركين . 2 - الرسالة والوحي وتفنيد مكابرة المشركين للرسول صلى الله عليه وسلم ، والزمهم الحجة بآية الله الكبرى ، وهي القرآن . 3 - البعث والجزاء والوعد والوعيد ، بذِكر ما يقع يوم القيامة من العذاب للمجرمين ، والبشارة للمتقين بالفوز والنعميم . هذا مع ذكر عالم الغيب من الملائكة والجن والشياطين والجنة والنار . وقد كان العرب كغيرهم من الأمم يؤمنون بالملائكة وبوجود الجن ، ويعتقدون أنهم يظهرون لهم أحياناً في صورة الغِيلان فيسمعون اصواتهم ، وأنهم يُلقون الشعرَ في هواجس الشعراء . 4 - اصول الدين ووصاياه الجامعة في الفضائل والآداب ، والنهي عن الرذائل ، وأن دينَ الله واحد ، لكنه تم تفريقُه بالمذاهب والأهواء ، وان سعادة الناس وشقاءهم من اعمالهم النفسيّة والبدنية ، وان الجزاء على الاعمال يكون بحسب تأثيرها في الانفس ، فالجزاء على السيئة سيئة مثلها ، وعلى الحسنة عشرة امثالها ، ولا يحمل أحد ذنْب غيره . ثم يأتي الترغيب في معرفة الكون والإرشاد الى معرفة سنُن الله فيه ، وآياته الكثيرة الدالّة على علمه وقدرته ، وان التوبة الصحيحة مع ما يلزمها من العمل الصالح موجبة لمغفرة الذنوب وابتلاء الناس بعضهم ببعض ، ليتنافسوا في العلوم والاعمال النافعة ، واعلاء كلمة الحق .