Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 1-3)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الحمد : الثناء الحق والذكر الجميل . الظلمة : الحال التي يكون عليها كل مكان لا نور فيه ، والنور قسمان : حِسّي وهو ما يدرك بالبصر ، ومعنويّ وهو ما يدرَك بالبصيرة . الجَعل : الانشاء والابداع كالخلق ، الا ان الجعل مختص بالإنشاء التكويني كما في هذه الآية ، وبالتشريعي كما في قوله تعالى : { مَا جَعَلَ ٱللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ } الآية . ولم يذكر النور في القرآن إلا مفرداً ، والظلمة إلا جمعاً . وذلك لأن النور واحد حتى لو تعددت مصادره ، فيما تتم الظُلمة بعد حجب النور واعتراضه ، ومصادر ذلك كثيرة . وكذلك حال النور المعنوي ، فهو شيء واحد فيما الظلمات متعددة . فالحق واحد لا يتعدد ، والباطل الذي يقابله كثير . والهدى واحد ، والضلال المقابل له كثير . وقُدمت الظلمات في الذكر على النور لأنها سابقة عليه في الوجود ، فقد وُجدت مادة الكون وكانت سديما كما يقول علماء الفلك ، ثم تكوّنت الشموس والأجرام بما حدث فيها من الاشتعال لشدة الحركة . والى هذا يشير حديث عبد الله بن عمرو : " ان الله خلق الخلق في ظلمة ، ثم رشّ عليهم من نوره ، فمن أصابه نورُه اهتدى ، ومن أخطأهُ ضل " رواه احمد والترمذي . ويؤيده قوله تعالى : { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } . ومثلُ ما سبق أن الظلمات المعنوية أسبقُ في الوجود ، فان نور العلم والهداية كسبيٌ في البشر ، وغير الكسبيِّ منه الوحي ، وظلمات الجهل والأهواء سابقة على هذا النور { وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلْسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } . يعدلون : يجعلون له عديلاً مساوياً في العبادة ، أي : يتخذون له أندادا . الأجَل : المدة المقدَّرة . تمترون : تشكّون في البعث . { ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ … } . الثناء والذِكر الجميل لله ، الذي خلق هذا الكون وما فيه مما نراه وما لا نراه ، وأوجد الظلمات والنور لمنفعة العباد . ثم مع هذه النعم الجليلة يُشرِك به الكافرون ويجعلون له شريكاً في العبادة ! ! بدأت سورة الأنعام هنا في آياتها الأولى ، فركّزت اتجاهها نحو القضايا الثلاث التي اشرنا اليها : الالوهية ، الوحي والرسالة ، وقضية البعث بعد الموت فقررت في اولاها ما يوجب النظَر في التوحيد ، وأثبتت لِلّه في سبيل ذلك استحقاق الحمد بحقيقته الشاملة لجميع أنواع صوره ، واهابات بالعقول أن تلتفت الى أنه هو الذي خلق الكون بمادته وجوهرة ، فلا أحد غيره يستحق شيئا من الحمد والثناء ، لأن الله هو وحده المصدر ، ولا يصح في عقلٍ أن يتجه بالعبادة والتقديس الى غيره ، فما أضلَّ اولئك الذين تنكبوا طريق العقل السليم واتخذوا له شركاء هو الّذي خلقهم في جملة ما خلق . ففي الآية الكريمة إشارة الى عظمة الخلق ووحدته ، وعظمةُ الخلق تدل على وحدانية الخالق وجلاله : فالسماوات بنجومها وكواكبها ، والأرض وما عليها من حيوان ونبات ، وما في باطنها من معادن جامدة وسائلة ، والبحار وما يسبح فيها من لآلئ وأحياء - كلها تدل على وحدانية الخالق . وكذلك النور الواحد والظلمات المنوعة ، كظلمة الصخر والبحر والكهف والضباب المتكاثف … كل هذا يدل على ابداع الخالق . { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن طِينٍ … } . هو الذي بدأ خلْقكم من طين هذه الأرض ، ثم قدّر لحياة كل واحد منكم زمناً ينتهي بموته ، واجلاً مسمّى عنده . وهذا يعني ان الله تعالى قضى لعباده أجلَين : أجَلاً لحياة الفرد قبل مماته ، وأجلاً آخر محدداً عنده تعالى لبعث جميع الناس بعد انقضاء عمر الدنيا . ثم أنتم ايها الكافرون بعد هذا تجادلون في قدرة الله على البعث ! ما دام الله هوا لذي خلق الإنسان من طين ، وسخّر له ما في الأرض والسماوات ينتفع بما فيها ، فكيف يشك اي إنسان في ان له حياة اخرى ! ! { وَهُوَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَفِي ٱلأَرْضِ … } . هو وحده المستحقُّ للعبادة في السماوات وفي الأرض ، يعلم ما أخفيتموه وما أظهرتموه ، ويعلم ما تكسِبون من الخير والشر فيحصي ذلك عليكم ليجازيكم به . تقرر هذه الآية الكريمة خاصة الألوهية من العلم الشامل وعموم القدرة ، وهما الاساسان في فهم الحق بالنسبة الى الألوهية ، وبالنسبة الى البعث والجزاء ، وبالنسبة الى الوحي والرسالة .