Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 40-45)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أرأيتكم : أخبِروني ، وهو أسلوب يُذكر للتعجيب والتنبيه الى أن ما يُذكر بعده غريب عجيب . يكشف : يزيل ما تدعونه الى كشفه البأساء : المشقة ، والعذاب الشديد . الضراء : الضُرّ ضد النفع يتضرعون : يظهرون الخضوع بتكلّف . مُبْلِسون : متحسّرون ، يائِسون من النجاة . دابر القوم : آخرهم . بعد أن بيّن الله تعالى للمشركين أن علمه محيط بالكون كله ، وعنايته تعم كل ما فيه ، وأن أمم الحيوان ، كأمم الانسان ، قد اوتيت من الإلهام والغريزة ما تميز به بين ما ينفعها وما يضرها - أمرَ نبيّه الكريم ان يوجّه الى الكفار هذا السؤال ، ليعلموا ان ماتقلّدوه من الشرك عارض يُفسد أذهانهم وقت الرخاء ، حتى اذا جد الجد ونزل بهم مكروه دعوا الله مخلصين له الدين . والسؤال هو : أخبروني أيها المكذّبون إن اتاكم عذاب كالذي نزل بمن قبلكم ، او جاءتكم القيامةُ بأهوالها ، الى من تتجهون ! ؟ ألغيرِ اله تضرَعون أن يكشف ما نزل بكم من البلاء ؟ إن كنتم صادقين في عبادتكم لغير الله فيجب ان تتجهوا إليهم . { بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ … } . الواقع أنكم لا تتجهون إلا اليه ، تدعونه ان يكشف عنكم البلاء ان شاء . إنكم في حال الشدة تنسون كل ما تجعلونه شركاء لله ، فلماذا تفطنون لهم في الرخاء ! ! وقد بين الله في اكثر من آية أن المشركين ينسون آلهتهم المزيفة عند الشدة والضيف ، مثل قوله تعالى : { فَإِذَا رَكِبُواْ فِي ٱلْفُلْكِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ } [ العنكبوت : 65 ] . ثم بين أن من سنّته تعالى أخْذَ عباده بالشدائد لعلّهم يثوبون الى رشدهم ، فقال : { وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِٱلْبَأْسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ … } . فلا يشُق عليك أيها الرسول ما تلاقيه من قومك … لقد بعثنا قبلك رسلاً إلى أمم كثيرة قبل أمتك فكذّبوهم ، فعاقبناهم لعلّهم يرجعون الى الله . لكنّ كثيراً من الناس يصلون الى حال من الشرك والفجور لا يغيّرها بأس ولا يُحَوّلها بؤس فلا تجدي معهم العبر والمواعظ ، ومنهم تلك الأمم الذين أُرسل اليهم أولئك الانبياء . ولا تذهب بعيداً ، وحالنا نحن العربَ شاهد ودليل … لقد نزل بنا أكبر الشدائد وهاجمنا في ديارنا ألأَمُ الناس وأخبثُهم ، بل أخذوا قسما عزيزاً من بلادنا ، ومع ذلك لم نتعظ ولم نغير من حالنا شيئا . إننا لا زِلنا سادرين في غرورنا ، نتفاخر بماضينا ، غافلين عن عدونا الحاضر ، ويقتل بعضنا بعضاً طمعاً في مناصب فصّلها لهم عدُّ الأمة وخصيم الاسلام … لم نرجع ألى ديننا ، ولم نتضرع الى ربنا ، بل تضرعنا الى اعدائنا الألداء في أمريكا واوروبا ، نطلب منهم النصر ، غافلين متعمدين عن أن النصر من عند الله ومن عند انفسنا . { فَلَوْلاۤ إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ مَا كَانُواّ يَعْمَلُونَ } . هلاّ تضرّعوا إلينا خاشعين تائبين قبل أن جاءتهم مقدمات العذاب . إنهم لم يفعلوا ، واستمرت قلوبهم على قسوتها ، وزين لهم الشيطان ما هم عليه من الشرك والفجور . { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ … } الآية . فلما أعرضوا عن الاتعاظ بما ابتليناهم من الفقر والمرض ، وأصرّوا على كفرهم ، ابتليناهم بعد ذلك بالرزق الوسع ، وفتحنا عليهم ابواب رخاء العيش وصحة الاجسام والأمن على الانفس ، حتى اذا فرحوا بكل ذلك ولم يشكروا الله عليه ، جاءهم العذابُ بغتة ، فإذا هم متحسّرون يائسون من النحاة لايجدون إليها سبيلا . والخلاصة أن الله تعالى سلّط عليهم المكاره والشدائد ليعتبروا ويتعظوا ، فلما تجدِ معهم شيئا نَقَلَهم الى حال هي ضدُّها ، ففتح عليهم أبواب الخيرات ، وسهّل لهم سبل الرزق والرخاء فلم ينتفعوا به ايضاً . عند ذاك أذاقهم جزاءهم العادل . روى الامام احمد " ان النبي صلى الله عليه وسلم قال : اذا رأيتَ الله يعطي العبد من الدنيا ، على معاصيه ، ما يحبّ ، فإنما هو استدراج " ثم تلا هذه الآية . وروى مسلم عن صُهيب عن النبي انه قال : " عجبا لأمر المؤمن ، إن أمْرَهُ كلّه خير ، وليس لك لاحدٍ الا للمؤمن ، إن أصابتْه سراءُ شكَر فكان خيراً له ، وان اصباتْه ضراءُ صبرَ فكان خيراً له " { فَقُطِعَ دَابِرُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } . لقد هلك اولئك القوم الظالمون وأبيدوا عن آخرهم . والحمدُ … هنا ارشاد من الله لعباده بتذكيرهم بما يجب عليهم من حمده على نصر المرسَلين المصلحين ، وإيماءٌ الى وجوب ذكره في عاقبة كل أمر وخاتمة كل عمل ، { وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } . قراءات : قرأ نافع أرأيتكم بتسهيل الهمزة ، وقرأ الكسائي : أريتكم بحذف الهمزة . والباقون " أرأيتكم " بتحقيق الهمزة وحمزة يسهل الهمزة بالوقف .