Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 61, Ayat: 1-6)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

كبر مقتاً : ما أعظمه من بغض . المقت أشد البغض ، ويقال رجل مقيت وممقوت اذا كان مبغضا للناس . بنيان مرصوص : بنيان محكم كأنه قطعة واحدة . زاغوا : انحرفوا عن الحق . أزاغ الله قلوبهم : صرفها عن قبول الحق . { سَبَّحَ لِلَّهِ … } قدّس اللهَ ونزّهه كلُّ شيء في هذا الكون : بعضُها بلسان الحال ، وبعضها بلسان المقال . وقد تقدم ان كل شيء في هذا الوجود يسبّح الله ، ويشهد له بالربوبية والوحدانية والقدرة وغيرها من صفات الكمال ، وهو الغالبُ على كل شيء ، الحكيم في تدبير خلقه . وبعد ان وصف نفسَه بصفات الكمال ، وجّه المؤمنين الى الاخلاق الفاضلة ، والصدق في القول والعمل ، فخاطبهم بقوله : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } ! . قال ابن عباس : كان اناس من المؤمنين يقولون : لَوَدِدْنا ان الله دلّنا على أحبِّ الاعمال اليه فنعمل به ، فأخبر الله نبيّه ان احب الاعمال اليه ايمانٌ بالله لا شكّ فيه ، وجهادٌ في سبيله . فلما فُرضَ الجهادُ كره ذلك ناسٌ من المؤمنين وشقّ عليهم أمرُه ، فأنزل الله تعالى هذه الآية . ثم بيّن الله شدة قبحِ مخالفة القول للعمل وأنه بلغ الغاية في بُغض الله له فقال : { كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } إن أبغضَ شيء عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون . فتحَلُّوا بالصدق ، والوفاء بالوعد ، وجميل الخصال تنتصروا . ثم مدح الذين صدقوا وقاتلوا في سبيله بعزم واخلاص فقال : { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ } . ان الله تعالى يحب النظامَ في كل شيء ، وهو يحبُّ الذين يقاتلون في سبيله منتظمين في أماكنهم كأنهم بنيانٌ متلاحمُ الأجزاء ، كأنه قطعة واحدة ، فالنظام أساسُ بنيان الأمة ، وان وعدَ الله حقّ ، وقد وعد المجاهدين بالنصر إذا أخلصوا وصدَقوا وحافظوا على النظام . وقد سبقتنا الأممُ المتحضّرة بالنظام ودقة المحافظة عليه ، في جميع أعمالها . والجهادُ يبدأ في البيت بالتربية الاسلامية الصحيحة البعيدة عن التزمُّت والتعصب ، وفي المدرسة وفي المزارع والحقول ، والتجارة ، وفي المصانع ، وباكتساب العلوم وإجادتها واتقان استعمالها كما اتقنها أسلافُنا الأولون . فالصناعة والعلم والزراعة من الامور الضرورية في حياتنا ، فاذا أتقنّاها باتَ يمكننا ان نجاهدَ جهادا حقيقيا ، فلا جهادَ إلا بعلمٍ وعمل وتصنيع . وبعد ان هذّب المؤمنين وعلّمهم ان يكونوا صادقين في أقوالهم وافعالهم ، وحضّهم على اتّباع النظام في الجهاد - ذَكَرَ أن حالهم يشبه حالَ موسى مع قومه حين ندبَهم للقتال فلم يطيعوه ، بل آذوه أشدَّ الايذاء ، فوبّخهم الله على ذلك بقوله تعالى : { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يٰقَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي … } . اذكر يا محمد لقومك حين قال موسى لقومه : يا قومي ، لمَ تُؤذونني وتخالِفون أَمري ، وانتم تعلمون أنّي رسولُ الله اليكم ؟ فأصرّوا على المخالفة والعصيان . فلما أصروا على الانحراف ، صرف الله قلوبهم عن الهدى { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ } الذين خرجوا عن طاعته . وأتى بمثلٍ آخر يشبه حالَهم ، وهو بنو اسرائيل حين قال لهم عيسى : إني رسولُ الله ، وإني مصدّقٌ بالتوراة ، وجاءهم بالبينات والمعجزات الدالة على صدقه ، واني مبشِّر برسولٍ سيأتي من بعدي اسمه أحمد ، وقد جاء هذا التبشير صريحا في التوراة والانجيل . { فَلَمَّا جَاءَهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ } . فلمّا جاء الرسولُ الكريم احمدُ ، عليه صلوات الله وسلامه ، بالأدلة الواضحة والمعجزات الباهرة ، كذّبوه وقالوا : هذا الذي جئتنا به سحرٌ مبين . ومثلُ هذه الآية قوله تعالى : { ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ } [ الأعراف : 157 ] . وفي هذا تسلية لرسوله الكريم على ما أصابه من قومه ومن غيرهم من الجاحدين ، وأن الانبياء مِن قبله نالهم الأذى وكذّبهم أقوامهم . وفيه ايضا تهذيبٌ وتربية للمؤمنين بان لا يؤذوا النبي بل يُخلِصوا في ايمانهم .