Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 64, Ayat: 14-18)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فتنة : بلاء ومحنة توقع في المهالك . ومن يوقَ شحّ نفسه : ومن يحفظ نفسه من البخل . الشح : البخل مع الحرص . ان تُقرضوا الله : ان تتصدقوا على المحتاجين من الناس . شكور : يثيب الشاكرين . بعد ان أمر الله تعالى المؤمنين بطاعة الله والرسول الكريم ، وان يتوكلوا عليه ، ولا يعتمدوا غير ذلك - جاء هنا في هذه الآيات الكريمة يهذّبهم ويعلّمهم بألطف توجيه ، أنَّ الأولادَ والزوجات فتنة للانسان اذا ما شُغل بهم وانصرف يجمع المالَ لهم ويكدّسه ، لا همّ له الا النفقة عليهم - باتَ مثل الحيوان في الغاب ، فان الأسد يفترسُ حتى يطعم عياله ، وكذلك بقية الحيوانات . فالله تعالى يهذّبنا ويعلّمنا بأنّ علينا ان نُعِين المحتاجين ، ونعمل الخيرَ ونساعدَ في أعمال البرّ وبناء مجتمعنا ، فلا نعيش لأنفسنا فقط . { إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَٱحْذَرُوهُمْ } فارعوهم حق الرعاية ، وأدِّبوهم أحسنَ تأديب ، واحذروا ان يخرج بعضهم عن الطاعة ، وتلطّفوا معهم . ولذلك قال : { وَإِن تَعْفُواْ وَتَصْفَحُواْ وَتَغْفِرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ما أرحمه وما اعظمه ! كيف يعلّمنا ويهذبنا ، بان نكون هيّنين ليّنين مع أولادنا وأزواجنا وبذلك تتم السعادة . وان كثيراً من الناس يكونون في البيت مصدَر شرٍّ وإزعاج لزوجاتهم وأولادهم ، وفي خارج البيت من ألطفِ الناس وأرحَبِهم صدراً ، هؤلاء أَشرٌّ من الحيوانات . ثم كرر الله تعالى التحذير فقال : { إِنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ } فاحذروهم ولا تُلهينَّكم اموالُكم وأولادكم عن عمل الخير ، والسعي في سبيل الله . إن كثيراً من أصحاب الأموال ساهون لاهون عن عمل الخيرِ ، كلُّ هَمِّهم أنفسُهم وأولادُهم وزوجاتهم . وفي الحديث الصحيح : " ان لكل أمةٍ فتنةً ، وفتنةُ أمتي المال " رواه احمد والترمذي وغيرهما عن كعب بن عياض . وهذا ما يجري اليوم ، وقد فتح الله على الأمة العربية ابواب الخيرات وجاءهم المالُ بدون حساب ، ونراهم يبذّرونه على أنفسِهم ومُتَعِهم ولا ينفقون منه في سبيل الله والدفاع عن أوطانهم والاستعداد لعدوهم الذي يهدّد كيانهم ، بل يكدّسون المال عند الاعداء ، ولا ينتفع منه الا العدو ، هداهم الله . { وَٱللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } لمن آثَرَ محبَّته على محبةِ المال والأولاد ، ونفعَ به المحتاجين ، وأنفق منه في سبيل الله والوطن . ثم يعلّمنا وينبّهنا الى ان نستيقظ ونعمل بقدر ما نستطيع فيقول : { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ وَٱسْمَعُواْ وَأَطِيعُواْ } فالتقوى تكون بالعمل الصالح المفيد ، والانقياد لأمر الله والرسول . اهتدوا بهدي الاسلام ايها المؤمنون ، وجُودوا بالمال قبل ان تذهبوا ولا تأخذوا منه شيئا ، ويبقى للورثة يختصمون فيه . { وَأَنْفِقُواْ خَيْراً لأَنفُسِكُمْ } هنا يكرر الأمر بالانفاق من الاموال ، لأنكم ايها المؤمنون ستندمون اذا ذهبتُم وتركتم وراءكم الأموال مكدَّسة ، لم تنفعوا بها الفقراء والمحتاجين ، ولم تبذلوا منها للمصلحة العامة والجهاد في سبيل الله . ثم زاد الحثّ على الانفاق باسلوب لطيف فقال : { وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } . والسعيدُ منكم أيها الناس هو الذي يتغلب على نفسه ويتقي بُخْلَها الشديد ، فينفق في سبيل الله ، وفي سبيل وطنه وأمته ، فيكون من المفلحين في الدنيا والآخرة . ايها الناس ، ان الاغنياء في الغرب يُنفقون معظم ثرواتهم على عمل الخير ، على البحث العلمي الذي هو مفقود عندنا ، وعلى المستشفيات والجامعات والمصالح الخيرية . والاغنياء عندنا ينفقون على أنفسِهم ويبذّرون اموالهم في الأعراس والحفلات التي تُغضب الله ، وعلى ملذاتهم وشهواتهم ومقامراتهم ومغامراتهم مما لا يجدي نفعا . { إِنَّ ٱلْمُبَذِّرِينَ كَانُوۤاْ إِخْوَانَ ٱلشَّيَاطِين } [ الإسراء : 27 ] . ثم تلطف جلّ جلاله وبالغ في الحث على الانفاق بقوله تعالى : { إِن تُقْرِضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَٱللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ } . هل يوجد أجملُ من هذا الاسلوب ! والله تعالى هو الغني ، له كل ما في السماوات والارض ، ولكنه يطلب ان نجود بالمال على الفقراء والمحتاجين ، في بناء مجتمعنا وفي سبيل الله حتى سمى ذلك قَرضا … وهو الغنيّ عن العالمين . والله يضاعف للمنفق الحسنةَ بعشرة أمثالها الى سبعمائة ضعف ، ويغفر لكم ما فَرَطَ من ذنوبكم ، والله عظيم الشكر والمكافأة للمحسنين ، حليمٌ فلا يعجّل بالعقوبة على المذنبين . { عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } ختم هذه السورة الكريمة بأحسنِ ختام وألطفِ تعبير ، وهو ذو العزة والقدرة يضع كل شيء في موضعه ، ويصرّف كل شيء بأمره وحكمته وتدبيره .