Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 69, Ayat: 38-52)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فلا أقسِم : معناها ، فأُقسِم . بما تبصرون : بما تشاهدون من المخلوقات وما في هذا الكون العجيب . وما لا تبصرون : كل ما غاب عنكم وما اكثره . ولا بقول كاهن : الكاهنُ مَنْ يتنبأ بالغيب كذباً وزورا ، وكان هذا النوع من الناس شائعا عند العرب في الجاهلية . ولو تقوّل : لو افترى علينا . الأقاويل : الأكاذيب ، الاقوال المفتراة . لأخذْنا منه : لأمسكناه . باليمين : بيمينه . الوتين : الشريان الرئيسي الذي يغذي الجسمَ بالدم النقي الخارج من القلب ، فاذا قطع هذا العِرقُ مات الانسان حالا . حاجزين : مانعين . وإنَّه لحقُّ اليقين : وان القرآن الكريم لحقٌّ ثابت من عند الله . بعد هذه الجولةِ مع الجاحدين وما ينتظرُهم من عذاب في ذلك اليوم الشديد الهول - يعود الكتابُ ليؤكّد أن ما يتلوه الرسولُ الكريم هو القرآنُ الكريم من عندِ ربّ العالمين ، وأن الأمرَ لا يحتاج إلى قَسَم أنه حقٌ ، صادرٌ عن الحق ، وانه ليس شعرَ شاعرٍ ، ولا كهانةَ كاهنٍ ، ولا افتراءَ مفترٍ ، فما هو بحاجة الى توكيدِ يمين . { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ } . تكرر هذا التعبيرُ { لاَ أُقْسِمُ } في القرآن الكريم ، وهو يمين عظيم . وهو كما يقول المتأكد من أمرٍ من الأمور : لا حاجة الى اليمين عليه … لقد حارتْ قريش في أمرِ الرسولِ الكريم ، وتبلبلت آراء زعمائها في ما يتلوه عليهم ، فقال بعضُهم إنه كاهن ، وقال بعضُهم إنه مجنون ، وقال بعضهم إنه شاعر ، وقال بعضهم إنه ساحر … ولم يستقرّ رأيهم على شيء ، حتى إن أكبرَ أعدائه - وهو النضر بن الحارث من بني عبد الدار ، صاحبُ لواء قريش يوم بدر - قال مسفّهاً هذه الآراء كلها بقوله : " يا معشرَ قريش ، انه واللهِ قد نزل بكم أمر ما أتيتم به بحيلة بعد ، قد كان محمد فيكم غلاماً حَدَثا ، أرضاكم فيكم ، وأصدقكم حديثا ، وأعظمكم أمانة ، حتى إذا رأيتم في صِدغيه الشَّيب ، وجاءكم بما جاءكم به قلتم : ساحرٌّ لا واللهِ ، ما هو بساحر . لقد رأينا السحرةَ ونَفَثْهم وعقدهم . وقلتم كاهن ! لا واللهِ ما هو بكاهن . قد رأينا الكهنةَ وتخالُجَهم ، وسمعنا سجعهم . وقلتم شاعر ! لا واللهِ ما هو بشاعر . قد رأينا الشِعر ، وسمعنا أصنافه كلَّها : هَزَجَه وَرجَزه . وقلتم مجنون ! لقد رأينا الجنون فما هو كذلك . يا معشر قريش ، فانظروا في شأنكم ، فإنه واللهِ قد نزل بكم امر عظيم … " . أُقسِم بما تشاهدون من هذا الكون العجيب وما فيه حولَكم من مخلوقات ، وبما غابَ عنكم مما لا تشاهدونه ، وما أكثره … أنّ هذا القرآن هو قولُ رسولٍ كريم أنزلَه اللهُ عليه ، { وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ } حيث كان بعض زعماء قريش يقول عنه إنه شاعر { وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } وليس هو بقولِ كاهن من كهنةِ العرب كما تزعمون ، بل هو : { تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } أنزله على عبده محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم . وبعد ان أثبت اللهُ تعالى أن القرآن الكريم تنزيلٌ من رب العالمين ، ليس بشعرٍ ولا كهانة - أكّد هنا أن الرسولَ الأمين لا يمكن ان يتقوَّلَه ، اذ لو فعلَ ذلك لأخذْنا منه بيمينه ، وقطَعْنا منه نِياطَ قلبه فيموتُ حالا ، فلا يستطيعُ أحدٌ منكم مهما بلغتْ قوَّتُه ان يحجِزَ عقابنا عنه . وهذا معنى : { فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ } . ثم بين الله تعالى أنّ هذا القرآن تذكِرةٌ وعِظةٌ لمن يتقي الله ويخشاه ، وأنه حسرةٌ على الكافرين حينما يَرَوْنَ ثوابَ المؤمنين ، { وَإِنَّهُ لَحَقُّ ٱلْيَقِينِ } فهو حقٌّ ثابت لا ريبَ فيه . ولو ان منكم مكذِّبين . ثم امر رسوله الكريم أن يسبِّح ربه العظيم وينزّهَه ، ويشكره على ما آتاه من النِعم ، وعلى ما أوحى به إليه من القرآن العظيم .