Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 199-203)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
العفو : الذي يأتي من غيرِ كُلفة . ينزغ : يوسوس بالشر . والنزغ : وساوس الشيطان وما يحمل به الإنسانَ على المعاصي . طائفٌ من الشيطان : ما يدور في خيال المرء من وساوس . اجتبيتها : افتعلتها . جاءت هذه التوجيهات الربانية الى الرسول الكريم وأصحابه ، وهم لا يزالون في مكّة المكرمة ، وفي مواجهة المشركين فيها ومواجهة الأعراب من حولهم في الجزيرة وأهل الأرض كافة . يا محمد ، خذ العفو الميسَّر الممكِنَ من أخلاق الناس في المعاشرة والصحبة ، ولا تطلب منهم ما يشقّ عليهم ، واعفُ عن أخطائم وضعفهم . ذلك ان التعامل مع النفوس البشرية بغية هدايتها يقتضي سعةَ صدرٍ ، وسماحة طبعٍ ، ويسراً وتيسيرا في غير إفراطٍ ولا تفريط في دين الله ، وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مثال الكمال والخلق العظيم . وامرْ يا محمد بالعُرف ، وهو الخير المعروف ، والعُرف اسمٌ جامعٌ لك ما عرف من طاعة الله والتقرب اليه والإحسان الى الناس . وأعرض أيها الرسول الهادي عن الجاهلين ، وهم الذين لا تُرجى هدايتهم ، إذ قد يكون إهمالهم والإعراض عنهم أجدى في هدايتهم . روي عن الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه انه قال : " ليس في القرآن آيةٌ أجمعَ لمكارم الأخلاق من هذه " وقال بعض العلماء : تضمنت هذه الآية قواعد الشريعة ، فلم يبق حسنة الا وعتْها ، ولا فضيلة الا شَرَحتها . وفي صحيح البخاري عن ابن عباس ان عُيَبْنَةَ بن حِصْن ، وكان فيه غلظة وجفاء ، قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه : هِيْ يا ابن الخطاب ، أفو اللهِ ما تعطينا الجَزْل ، ولا تحكم فينا بالعدل . فغضب عمر ، حتى همّ ان يوقع به . فقال له الحُرّ بن قيس : يا امير المؤمنين ، إن الله تعالى قال لنبيه : { خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ } وهذا من الجاهلين . قال ابن عباس : والله ما جوزَها عمرُ حين تلاها عليه ، كان وقّافاً عند كتاب الله . وان تعرَّض لك يا محمد من الشيطان وسوسةٌ لصرفِك عما أُمرت ، كأن تغضب من لجاجتهم بالشر فاستجرْ بالله يصرفه عنك ، إنه سميع لكل ما يقال عليم به . ثم بيّن الله طريق سلامةِ مَن يستعيذ من الشيطان من الوقوع في المعصيةِ فقال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ ٱلشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ } . ان اخبار المؤمنين المتقين ، إذا ألمَّ بهم من الشيطان وسوسةٌ تذكّروا أن ذاك من إغواء الشيطان عدوِّهم ، وعند ذاك يبصرون الحق فيرجعون عن الأخذ بتلك الوسوسة . هذا حال المتقين . أما اخوان الشياطين من الكفار ، فان الشياطين تزيدهم ضلالا بالوسوسة ، بذلك فهي تمدهم في غيّهم وافسادهم . ومن ثم تراهم يستمرون في شرورهم وآثامِهم . واذا لم تأت يا محمد الكفار الذين يعاندونك بآية مما يطلبون ، قالوا هلا اختلقتها ؟ قل لهم : إنني لا أتّبع الا القرآن الذي يوحي اليّ من ربي ، وفيه بصائر وحجج تهديكم الى وجوه الحق والخير ، فهو نبع هدى يرشد ، ورحمةٍ تغمر المؤمنين وتفيض عليهم البركات .