Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 74, Ayat: 11-31)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ذرْني ومن خلقتُ وحيدا : اتركني واياه ولا تشغل قلبك به . وهذا الفعل لا يستعمل منه الا فعل الأمر والمضارع ، فلم تستعمل العرب منه الفعل الماضي . ذرني وفلانا : كِلْه إليّ … وحيدا : خلقته في بطن امه وحيدا لا مال له ولا ولد . وكان يقال للوليد بن المغيرة : الوحيد ، لانه وحيد في قومه ، فمالُه كثير ، من إبلٍ وخيل وغنم وتجارة وزرع وعبيد وله عشرة ابناء الخ … ممدودا : كثيرا . شهودا : حضورا معه يتمتع بمشاهدتهم . ومهّدت له تمهيدا : بسطت له الرياسة والجاه العريض . سأرهقه صعودا : ساكلفه عقبة شاقة لا تطاق ، وهذا كناية عن العذاب الشديد . وقدَّر : هيأ ما يريده . فقُتل كيف قدر : لعنه الله كيف قدّر ما قاله من الطعن في القرآن . عبس : قطب ما بين عينيه . وبَسَر : كلح وجهه وظهرت الكراهية عليه . سِحر يؤثر : ينقَل ويروى . سأصليه سَقر : سأُدخله في جهنم . لا تبقي ولا تذر : لا تبقي لحما ، ولا تترك عَظماً الا أحرقته . لواحة للبشر : تسوِّدُ بشرتهم . عدّتهم : عددهم . فتنة : اختبار وامتحان . ذكرى : تذكرة وموعظة للناس . في هذه الآيات عرضٌ لذِكر أحدِ زعماء قريش الكبار ، هو الوليدُ بن المغيرة . وكان من اكبر أثرياء قريش ورؤسائها ، يُقال له " العَدْل " لأنه كان عَدْلَ قريشٍ كلّها ، إذ كانت قريش تكسو البيتَ ، والوليد يكسوه وحدَه . وكان ممن حرَّم الخمرَ في الجاهلية ، ولكنه أدركَ الإسلامَ وهو شيخٌ كبير وعادى النبيّ عليه الصلاة والسلام وقاوم دعوته بشدّة . وقد سمع القرآنَ وتأثر به وقال عنه : لقد سمعتُ من محمدٍ كلاماً ما هو من كلام الإنس ، ولا من كلام الجن … والله إن لَه لحلاوةً ، وان عليه لَطلاوة ، وإن أعلاه لمثْمِر ، وان أسفلَه لَمُغْدِق ، وانه يعلو ولا يُعلى عليه . ومع ذلك فقد بقي على عنادِه وكفره وجمع قريشاً وقال لهم : " إن الناسَ يأتونكم أيامَ الحج فيسألونكم عن محمد ، فتختلف أقوالكم فيه ، فيقول هذا : كاهنٌ ، ويقول هذا : شاعر ، ويقول هذا : مجنون ، وليس يُشبه واحداً مما يقولون . ولكن أصلَحُ ما قيل فيه أنه ساحر ، لأنه يفرق بين المرء وأخيه والزوج وزوجته " . وقد مات بعد الهجرة بثلاثة أشهر ، وأسلمَ من اولاده خالدُ بن الوليد وهشام وعمارة ، والوليدُ بن الوليد . دَعني ومن خلقتُه وحيداً فإني سأكفيكَ أمره ، هذا الذي أنعمتُ عليه بمالٍ كثير ، وعَشَرة بنين يحضرون معه المحافلَ ويتمتع بمنظرهم و { وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً } وبسطتُ له الرياسةَ والجاه العريضَ والسيادة في قومه ، فكان سيّداً مطاعاً عزيزا ، ثم يطمع ان أَزيدَ في ماله وبنيه وجاهه بدون شكر ، { كَلاَّ } لا أفعلُ ولا أزيدُ . وقال المفسّرون : وقد تبدّلت حال الوليد بعد نزول هذه الآية وماتَ على أسوأ حال . { إِنَّهُ كان لآيَاتِنَا عَنِيداً } انه كان للقرآن معانِدا مكذِّبا . { سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً } سأكلفه عذاباً شاقاً لا راحة فيه . { إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ } انه فكر وزوّر في نفسه كلاما في الطعنِ في القرآن بعدما سمعَه وأعجبه ، قاتلَه الله ولعَنه ، كيف قدّر وقال لقريش إن محمّداً ساحر ، وان هذا القرآن سِحر يؤْثَر ويروى . { ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَٱسْتَكْبَرَ } ثم نظر في وجوه الناس ، ثم قطَب وجهه وزادَ في كُلوحه ، ثم أعرضَ عن الحق الذي عرفه ، وتعاظَمَ ان يعترفَ به { فَقَالَ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ } ينقله الرواة عن الأولين ، ونقله محمد عن غيره ممن كانَ قبلَه من السحرة . { إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ قَوْلُ ٱلْبَشَرِ } ما هذا الا قولُ الخلق تعلَّمه محمدُ وادّعى أنه من عند الله . ثم بين الله تعالى ما هو جزاؤه يوم القيامة فقال : { سَأُصْلِيهِ سَقَرَ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ لاَ تُبْقِي وَلاَ تَذَرُ لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ } سأدخِله جهنم ليحترقَ بها ويذوقَ أشدّ العذاب ، وما أدراك ما جهنم ؟ إنها لا تبقي لحماً ولا تترك عظماً الا أحرقَتْه ، تأكل الأخضَر واليابسَ كما يقولون ، وانها تُلَوِّحُ الوجوهَ والبشرةَ وتسوِّدُها ، عليها تسعةَ عشرَ من الملائكة موكَّلون بها ، كما جاءَ في قوله تعالى ايضا : { عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [ التحريم : 6 ] . { وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَابَ ٱلنَّارِ إِلاَّ مَلاَئِكَةً … } . وما جعلْنا خزنةَ النار الا ملائكةً تقدَّم وصفُهم بالشِدة والغِلظة ، وما جعلنا عِدَّتَهم تسعةَ عشر الا فتنةً واختبارا للذين كفروا ، وذلك . { لِيَسْتَيْقِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } . ليحصل اليقينُ لليهود والنصارى بنبوة محمدٍ لموافقةِ ما جاءَ في القرآن لكتُبهم ، فقد شهِدَ عددٌ من علماءِ اليهود والنصارى آنذاك ان عدَّةَ الخزنة تسعةَ عشر . { وَيَزْدَادَ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِيمَاناً } . ولكيَ تطمئن قلوبُهم بذلك ، ولا يشكّ أهلُ التوراة والإنجيل والمؤمنون بالله في حقيقةِ ذلك العدد . { وَلِيَقُولَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَٱلْكَافِرُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً } . وليقول المنافقون والمشركون الكافرون : ما الذي أراده اللهُ بهذا العدَدِ المستغرَبِ استغرابَ المثل ؟ { كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ } . والله تعالى كما أضلَّ المنافقين والمشركين يُضِلُّ مِنْ خلْقه من يشاءُ فيخذُله عن إصابة الحق ، ويهدي من يشاء منهم فيوفّقه إلى الخيرِ والهدى . وما يعلم جنودَ ربّك ومقدارهم إلا هو سبحانَه وتعالى . { وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ } وما سَقَرُ إلا تذكرة للبشَر وتخويفٌ لهم .