Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 75, Ayat: 1-19)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لا أُقسِم بيوم القيامة : ان الامر لا يحتاج الى قسم لأنه في غاية الوضوح . ولا أُقسِم بالنفس اللوامة : لأن البعث حق لا شك فيه . اللوامة : هي النفس التواقة الى المعالي التي تندم على الشر لِمَ فعلته ، وعلى الخير لمَ لم تستكثر منه . البنان : مفردها بنانة وهي اطراف الاصابع . لِيَفجُر أمامه : ليدوم على فعل المعاصي ولا يتوب الى الله . أيان يوم القيامة : متى يوم القيامة . برق البصر : تحير من الخوف والفزع . خسف القمر : ذهب ضوؤه . لا وزر : لا ملجأ . ينبأ : يخبر . معاذيره : اعذاره . لتعجَل به : لتأخذه على عجل مخافة ان ينفلت منك . قرآنه : قراءته . اقسم الله تعالى بعظمة يوم القيامة ، وبالنفس الكثيرة اللوم لصاحبها على الذنب والتقصير في الخير - لَتُبعثُنَّ أيها الناسُ ولتحاسَبنّ على ما فعلتم . أيحسب الانسان بعد ان خلقناه من عدم ان لن نجمع ما بلي من عظامه بعد ان تفرقت في الأرض ! بلى نحن قادرون على ذلك وعلى أعظمَ منه ، فنحن قادرون على ان نسوي بنانه على صغرها ولطافتها ، وضم بعضها الى بعض ، فكيف بكبار العظام ! ان من يقدر على جمع العظام الصغار فهو على غيرها من الكبار أقدَر . واعلم ان عظام اليدين ثلاثون ، وعظام اصابع الرجلين ثمانية وعشرون ، فيكون مجموعهما ثمانية وخمسين ، وهذه عظام دقيقة وضعت لمنافع لولاها ما تمت تلك المنافع كالقبض والبسط واستعمال اليدين في الجذب والدفع وغير ذلك مما لا يحصى . فلولا دقة هذه العظام وحسن تركيبها ما انتظمت الاعمال المترتبة على اليدين . وكذلك الفقرات ، تعدّدت ولم تجعل عظمة واحدة ، لانها لو جُعلت واحدة لعاقت حركة الانسان . وقد جُعلت فقراتٍ متتالية ليمكنه الحركة والسكون ، ويكون ذلك سهلا عليه اينما كان ، فلولا الفقرات وتفصيلها لم يقدر الانسان على الانحناء للاعمال والحركات المختلفة ، بل يكون منتصبا كالخشبة . ومجموع العظام في جسم الانسان مئتان وثمانية واربعون قطعة ، { فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ } [ المؤمنون : 14 ] . { بَلْ يُرِيدُ ٱلإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ ٱلْقِيَامَةِ } . بل يريد الانسان ان يتمادى في عصيانه وفجوره الى آخر لحظة من عمره ولا يتوب الى الله . ويسأل مستهزئا : متى يومُ القيامة ؟ ونحو الآية قولُه تعالى وقد تكرر كثيرا : { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [ يونس : 48 ، الأنبياء : 38 ، النمل : 71 ، سبأ : 29 ، يس : 48 ، الملك : 25 ] . وقد أجاب الله تعالى على هذا السؤال بان لها علامات بيّن ثلاثاً منها بقوله الكريم : { فَإِذَا بَرِقَ ٱلْبَصَرُ وَخَسَفَ ٱلْقَمَرُ وَجُمِعَ ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ يَقُولُ ٱلإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ ٱلْمَفَرُّ } . فاذا تحير البصر وزاغ من شدة الهول ومن عظيم ما يشاهد ، وذهب نور القمر ، وجُمع الشمس والقمر إيذانا بخراب هذا الكون - عند ذلك تقوم القيامة ، ويتحقق الانسان من صحة قيامها ويقول من دهشته وتحيره : اين المفر من هذه الكارثة التي حلت فيه ؟ فيأتي الجواب : { كَلاَّ لاَ وَزَرَ } . كلا ايها الانسان ، لا شيء يعصِمك من أمر الله ، ولا ملجأ ولا جبل ولا شيء يقيك من العذاب . كما قال تعالى ايضا : { مَا لَكُمْ مِّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّكِيرٍ } [ الشورى : 47 ] . ثم بين حقيقة الحال فيقول : { إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمُسْتَقَرُّ } . المرجع الى الله في ذلك اليوم الرهيب . { يُنَبَّأُ ٱلإِنسَانُ يَوْمَئِذِ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ } . وفي ذلك اليوم تنشَر الصحف ويخبر الانسان بجميع اعماله : أولها وآخرها ، صغيرها وكبيرها ، { وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً } [ الكهف : 49 ] . ثم بين الله تعالى ان اعظم شاهد على المرء هو نفسه فقال : { بَلِ ٱلإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ } . الانسان يعلم ما فعل وما ترك وهو حجة بيِّنة على نفسه ، فلا يحتاج الى ان ينبئه غيره ، فسمعه وبصره وجوارحه تشهد عليه ، وسيحاسَب على فعله مهما أتى بالاعذار { يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ النور : 24 ] . { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَٱتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } . في هذه الآيات الأربع توجيه وطمأنينة للرسول الكريم بان امر الوحي ، وحفظ القرآن وجمعه وبيان مقاصده - كل أولئك موكول الى الله ، فالخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم : اذا تلا عليك جبريل القرآن فلا تعجل وتتابعه في القراءة مخافة ان يفوتك شيء منه ، فنحن نجعله بكامله في قلبك ، ان علينا جمعه في قلبك … واثبات قراءته في لسانك ، فاذا قرأه رسولنا عليك فاتبع يا محمد قراءته منصتاً لها ، ثم علينا بعد ذلك بيانه ، وعصمتك من الخطأ والنسيان وبيان احكامه . وفي سورة طه 114 : { وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْآنِ مِن قَبْلِ إَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً } . وفي هذا تعليم لنا حتى نتأدب بأدب القرآن ونتدبر آياته . قراءات : قرأ الجمهور : برق البصر بكسر الراء ، وقرأ نافع : برق بفتح الباء والراء .