Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 80, Ayat: 17-42)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قُتل الانسان : كلمة تقال للدعاء عليه بالعذاب . فقدّره : أنشأه في اطوار مختلفة . ثم السبيلَ يسّره : ثم سهّل له طريقه . فأقبره : فأماته وذهب به الى القبر . وأنشره : بعثه بعد الموت . وقَضْبا : كل ما يؤكل من النبات والخضار والبقول غضاً طريا . غلبا : ضخمة ، عظيمة . وأبّا : ما ترعاه الدواب . الصاخّة : القيامة ، لأنها تصرع الآذان . شأنٌ يغنيه : شغل يصرفه عن مساعدة غيره . مسفرة : مشرقة ، مضيئة . مستبشرة : فرحة بما نالت من البشرى . عليها غَبرة : ما يصيب الانسان من الغبار والارهاق . ترهقها : تغشاها . قَتَرة : سواد كالدخان . بعد أن ذكر القرآن الكريم على أنه كتابُ موعظةٍ وذكرى وهدى للناس ، يبين الله تعالى هنا جحودَ الإنسان وكفرَه الفاحشَ ولا سيّما أولئك الذين أُوتوا سَعةً من الرزق . ثم يذكّره بمصدر حياته ووجودِه ، وأصلِ نشْأتِه ، وكيف يسَّر له السبيلَ في حياته ثم تولى موتَه وبعثَه . ثم بعد ذلك ينعى على الانسان تقصيره في أمره ، وأنه لا يؤدي ما عليه لخالِقِه ، فيقول : { قُتِلَ ٱلإِنسَانُ مَآ أَكْفَرَهُ … } . هذه جملةُ دعاءٍ على كل جاحِد ، والمرادُ بيانُ قُبحِ حالِه وتمرُّده وتكبُّره ، فما أشدَّ كفره مع إحسان الله اليه ! والحقُّ أن الانسانَ قد بلغ في كفره بالنعمة الإلهية مبلغاً يقضي بالعجب ، فانه بعد ما رأى في نفسِه من آيات الله ، وبعد ان مضى عليه تلك السّنون الطوال في الأرض ، والتي شاهد فيها ما في هذا الكون الواسع العجيب من شواهدَ وادلّة ونظام بديع - لا يزال يجحَدُ أنعم الله عليه ولا يشكرها . ان الله تعالى لم يدَعِ الانسان سُدى ، فقد أرسل إليه الهداةَ إثر الهداة ، غير ان الانسان ظلّ سادراً في ضلاله ، مغروراً بهذه الحياة الدنيا وما فيها من نعيم زائل . لذا شرع اللهُ يفصّل ما أجمَلَه ويبيّن ما افاض عليه من النِعم فقال : { مِنْ أَيِّ شَيءٍ خَلَقَهُ } إنه من أصلٍ متواضع جدا . { مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ } لقد خلقه اللهُ من نطفةٍ من ماء حقير ، وقدّره أطوارا وأحوالا ، وأتم خَلْقَه ، وأودع فيه من القوى ما يمكّنَه من استعمال أعضائه ، وصوَّره بأجملِ صورةٍ وأحسنِ تقويم . { ثُمَّ ٱلسَّبِيلَ يَسَّرَهُ } ثم مهّد له سبيل الهداية ، وسبيلَ الحياة ، وأودع فيه أعظمَ خصائص الاستعدادِ ليعيشَ في هذه الحياة . حتى اذا انتهت الرحلة ، صار الى النهاية الّتي يصير إليها كل حيٍّ بلا اختيار . { ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ } ثم قبض روحَه وأماته وكرّمه بأن يُقبر . { ثُمَّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُ } حتى اذا حان الموعدُ الذي قدّره الله ليوم البعث اعادَه الى الحياةِ للحساب والجزاء . وهذا موعدٌ لا يعرفه إلا الله . إذن فإن الانسانَ ليس متروكا سُدى ، ولا ذاهباً بغير حساب ولا جزاء . فهل قام بواجبه تجاه خالقه ؟ { كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَآ أَمَرَهُ } كلا ، إنه مقصّر لم يؤدِ واجبَه ولم يشكر خالقه ، ولم يقضِ هذه الرحلةَ على الأرض في الاستعداد ليومِ الحساب والجزاء . ثم أردف سبحانه بذكر الآياتِ المنبثّةَ في الآفاق ، الناطقةَ ببديع صُنعِه والتي يراها الانسان أمامه ماثلةً للعيان فقال : { فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ } عليه أن يتدبّر شأن نفسه ، وينظر الى طعامه وطعام أنعامه في هذه الحياة : كيف يسّرناه له ودبّرناه ! إنا أنزلنا الماءَ من السماء وجعلْنا منه كل شيء حي ، وشققنا الأرضَ بالنبات كما تشاهدونه أمامكم ، فأنبتْنا فيها حَباً يقتاتُ به الناسُ ، وعنباً ونباتاً يؤكل رَطبا ، وزيتونا طيِّبا ونخلاً مثمِرا غذاء جيدا ، وحدائقَ ملتفة الأغصانِ جميلة . { وَفَاكِهَةً وَأَبّاً مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ } . وبعد ان عدّد الله تعال نعمه على عباده ، وذكّرهم بإحسانه اليهم في هذه الحياة ، بحيث لا ينبغي للعاقل ان يتمرد - أردفَ هنا بتفصيلِ بعضِ أحوال يوم القيامة وأهوالِها فقال : { فَإِذَا جَآءَتِ ٱلصَّآخَّةُ … } إذا قامت القيامة التي بصيحتها تَصُكُّ الآذان وتصمّها ، فإن المرء يهرب من أخيه ومن أُمه وأبيه ، وزوجتِه وبنيه … وهؤلاء هم أعزُّ الناس عنده . إن كل انسان في ذلك اليوم له شأنٌ يَشْغَله عن غيره . والناس في ذلك اليوم فريقان : فريقٌ ضاحك مستبشر بما سيلقاه من حُسن الاستقبال والنعيم المقيم ، وفريق تعلو وجوهَهم قَتَرةٌ من سوادِ الحزن وكآبته . وهؤلاء هم الذين تمرّدوا على الله ورسوله { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَفَرَةُ ٱلْفَجَرَةُ } فمصيرهم الى جهنم . إن من طلبَ الحق لوجه الحق وعَمِل به بإيمان وإخلاص فهو الذي يضحك ويستبشر يوم القيامة ، ومن اتبع هواه وشغل نفسه بتبرير الأهواء ، واحتقر عقله ، ورضي جهلَه ، وشغل نفسه بالجَدَل والمِراء والتماس الحِيَل لتقرير الباطل وترويج الفاسد ( كما كان يفعلُ أعداء الأنبياء ، ولا يزال يأتيه السفهاء لينصروا به إصرار الاغبياء ) ثم يُتْبع ذلك بأعمالٍ تطابق ما يهوى وتخالف ما يقول … فهو الى جهنّم . وان المرء لَيجد الواحد من هذه الفئة يزعم الغيرة على الدين ولا تجدُ عملاً من أعماله ينطبق على ما قرره الدين . فالدِّين ينهى عن المعاصي وهو يقترفها ، والدين يأمر بصيانة مصالح العامة وهو يفتِكُ بها ويبذّرها لمصلحته الخاصة . والدين يطالب أهله ببذلِ المال في سبيل الخير ، وهو يسلب المالَ ليكنزه ، فإن أنفق منه شيئا صرفه في سبيل الشر . والدينُ يأمر بالعدل وهو أظلمُ الظالمين ، والدين يأمر بالصِدق وهو يكذب ويحبّ الكاذبين . فمن كان هذا شأنه فماذا يكون حاله يوم يتجلى الجبار ، ويرتفع الستار ! إنه سوف يجد كل شيء على خلاف ما كان يعرفه ، يجد الحقَّ غير ما كان يعتقد ، والباطلَ هو ما كان يعمل . عندئذٍ يتحقق أن ما كان يظنه من العمل خيراً لنفسه صار وبالاً عليها . فهذا النوع من الناس سوف تخيب آمالهم يوم القيامة ، ويحاسَبون حسابا عسيرا ، ويصدق فيهم قوله تعالى : { وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَفَرَةُ ٱلْفَجَرَةُ } ، أعاذنا الله من هول ذلك اليوم ، وهدانا برحمته الى العمل الصالح . قراءات : قرأ أهل الكوفة أنَّا ، والباقون بكسر الهمزة .