Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 80, Ayat: 1-16)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

عبس : قطّب وجهه من ضيق الصدر . تولّى : أعرض : أن جاءه الأعمى : لأن الأعمى جاء عنده ، يزكّى : يتطهر بما يتعلم من الدين . تصدّى : أصله تتصدّى بتاءين ومعناه تقبل عليه ، وتتعرض له . تلهّى : تتغافل عنه . تذكِرة : موعظة . فمن شاء ذكَره : فمن شاء اتعظ به . في صحف مكرّمة : كتب شريفة في موضع التكريم والتعظيم . مرفوعة : عالية القدر والشأن . مطهَّرة : منزهة عن العبث والنقص . سَفَرة : الملائكة لأنهم السفراءُ بين الله تعالى ورسله الكرام . بررة : جمع بارّ وهم الأطهار . نزلت هذه السورةُ الكريمة في عبدِ الله بن أُم مكتوم ابن خالِ خديجة بنتِ خويلد رضي الله عنها ، وكان رجلاً أعمى ، ومن أول الناس إسلاما . وكان من المهاجرين الأولين والمؤذِّنَ الثاني لرسول الله ، وقد استخلفه الرسولُ الكريم على المدينة ، وكان يصلّي بالناس مرارا . وقد جاء هذا الرجل الى النبي صلى الله عليه وسلم ، وعنده جماعة من زعماءِ قريش منهم : عتبة وشَيبة ابنا ربيعة ، وأبو جهلٍ عمرو بن هشام ، والعباسُ بن عبد المطلب ، وأُميةُ بن خلف ، والوليدُ بن المغيرة . وكان النبي الكريم محتفياً بهم يدعوهم الى الإسلام ويرغّبهم فيه رجاءَ أن يُسلموا ، لأنه يعلم أنهم إذا أسلموا تَبِعَهم خَلْقٌ كثير . فجاء ابنُ أُم مكتوم وقال : يا رسولَ الله ، أرشِدني ، وعلِّمني مما علمك الله … وكرر ذلك وهو لا يعلم من عنده . فكره الرسولُ قَطْعَه لكلامه ، وظهر ذلك على وجهه ، إذ عَبَسَ وأعرض عنه . وقد عاتب الله نبيَّه الكريمَ بأنّ ضَعْفَ ذلك الأعمى وفقره لا ينبغي ان يكون باعثاً على كراهةِ كلامه والإعراضِ عنه ، فإنه حيُّ القلب ذكيُّ الفؤاد ، اذا سمع الحكمةَ وعاها ، فيتطهَّرُ بها من أوضارِ الشِرك . { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ ٱلذِّكْرَىٰ } . ما يدريك يا محمد لعلّ هذا الأعمى يتطهّر بما يسمعه منك ، وما يتلقاه من العِلم والمعرفة ، او يتذكر بها ويتّعظُ فتنفعُه الذِكرى . وبعد نزول هذه الآيات جَعل الرسولُ يكرِم عبد الله هذا ويُقبِل عليه ويقول له إذا رآه : أهلاً بمن عاتَبَني فيه ربّي ، ويسأله هل لك حاجةٌ . ثم ذكَر اللهُ بعد ذلك أَمْرَ النبيّ الكريم مع زعماءِ قريش فقال : { أَمَّا مَنِ ٱسْتَغْنَىٰ فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّىٰ وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّىٰ } . أما من استغنى عن الله بمالِه وقوَّتِه ، فأنت تُقبل عليه حِرصاً على إسلامه ، وتهتمّ بتبليغه دعوتَك ، ولا حَرَجَ عليك أن لا يتطهّر من الشِرك والوثنية ، ولستَ بمطالَبٍ بهدايته . هذا بخلاف من جاءك مسرعاً في طلب الهداية والعلم ، فأنتَ تتلهّى عنه وتتشاغل بهؤلاء الزعماءِ الّذين لا يؤمنون ولا فائدةَ منهم ، لأنّ اكثَرهم جحدةٌ منصرفون الى المادة . لقد ألْهَتْهُم هذه الحياة الدنيا ، فلا ينبغي الانصرافُ إليهم ، والتصدّي لهم لمجرد الطمع في إسلامهم حتى يتبعَهم غيرُهم . إنّ قوة الانسان في حياةِ قلبه وذكاء لبّه ، والإذعانِ للحق إذا ظهر ، أما المالُ والعصبة والنَسب والأعوان والمراكز والتيجان - فهي كلها عوارٍ تغدو وترتحل ، ولا يدوم ويبقى الا العملُ الصالح . وفي هذا تأديبٌ من اللهِ تعالى لأمةِ محمد صلى الله عليه وسلم . ولو تأدّبوا به لكانوا اليوم أرشدَ الأمم . { كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ } . إن الله لا ينصر دِينه بأمثالِ هؤلاء المتكبرين الجاحدين ، فلا تهتمَّ يا محمد بهم . انما يُنصَر الحقُّ بالمؤمنين الصادقين أمثالِ ذلك الأعمى . وما هذه الآيات إلا موعظة ، وهذا القرآن كافٍ في الهداية لمن طَلَبها ، وما عليك الا البلاغُ والتذكير ، فمن شاء اتّعظ بالقرآن الذي هو { فَي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ } عاليةِ القدر والمكانة بتعاليمها وحِكَمها البالغة { بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ } من الملائكة الذين جعلهم الله سفراء بينه وبين رسُله . وهم { لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [ التحريم : 6 ] . قراءات : قرأ الجمهور : فتنفعه بضم العين ، وقرأ عاصم : فتنفعه بنصب العين ، وقرأ الجمهور : تصدى بفتح الصاد من غير تشديد ، وقرأ نافع وابن محيصن : تصدّى بفتح الصاد المشددة .