Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 83, Ayat: 18-31)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

عِليّين : المكان العالي الرفيع القدر ، وهو مقابل : سِجّين . الأرائك : جمع أريكة ، وهي المقعد الوثير المنجّد . نضرة النعيم : بهجته ورونقه . رحيق : شراب خاص . مختوم : ختمت أوانيه . ختامه مسك : مختوم بأطيب انواع الطيب . فلْيتنافس المتنافسون : فليتسابق المتسابقون في عمل الخير ليلحقوا بهم . مزاجه : ما يخلط به . من تَسنيم : من عين يقال لها تسنيم . بعد أن بين اللهُ تعالى حالَ الفجّار وأعمالَهم ومآلهم يوم القيامة - يعرض هنا حالَ الأبرارِ الذين آمنوا بربِّهم وصدّقوا رسولَهم … وهذه طريقةُ القرآن الكريم في عَرض المتقابلَين ، وفي ذلك ترغيبٌ في الطاعة ، وتنفيرٌ من المعصية . { كَلاَّ } ليس الأمر كما توهَّمَه أولئك الفجّارُ من إنكار البعث ، ومن أن كتابَ الله أساطيرُ الأولين { إِنَّ كِتَابَ ٱلأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ } فهو مودَع في أشرفِ الأمكنة بحيث يشهدُه المقرَّبون من الملائكة ، { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ } ؟ إنه أمرٌ فوق العِلم والادراك لبني البشر ، وكل ما في الآخرة مختلفٌ عن حياتنا ومفهومنا . فهو : { كِتَابٌ مَّرْقُومٌ يَشْهَدُهُ ٱلْمُقَرَّبُونَ } فهو مسطور علامتُه واضحة يشهدُه ويحفظُه المقرّبون من الملائكة تكريماً للأبرار ، وتقديراً لجهودِهم وأعمالهم الصالحة . بعد هذا بين منزلة الأبرار الرفيعة ، وأخذت السورةُ تفصل حالَهم وما ينالون من الجزاء والنعيم . { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ … } وهذا في مقابلة الفجّار الذين هم في الجحيم . فالله تعالى يكرم المؤمنين الأبرار ويدخلُهم جناتِ النعيم ، حيث يجلسون على الأرائك وينظرون الى ما أَولاهم ربهم من النعمة والكرامة ، حتى إذا نظرتَ إليهم تعرفُ في وجوههم بهجةَ النعيم ونضارته . وهم يُسقَون من شراب أهل الجنة الّذي هو الرحيقُ الخالص ، الذي خُتمت أوانيه بختام من مِسْكٍ ، تكريما لها وصوناً عن الابتذال ، { وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ ٱلْمُتَنَافِسُونَ } ويتسابقوا . والشرابُ السابق ممزوجٌ من عين في الجنة اسمُها " تَسْنِيم " . { وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا ٱلْمُقَرَّبُونَ } الأبرارُ عند الله تعالى . وكل ذلك تكريم لهم وفضلُ ضيافة . ولقد فصّل الله تعالى ما أعدّ للأبرار ووصفَ النعيمَ الذي سيلاقونه في دارِ كرامتِه حضّاً للذين يعملون الصالحاتِ على الاستزادة منها ، وحثّاً للمقصِّرين واستنهاضاً لعزائمهم ان لا يقصّروا في ذلك . بعد ذلك انتقل الحديثُ في السورة الى ما كان الكفار يقابلون به المؤمنين في الحياة الدنيا وكيف كانوا يستهزئون منهم ويَسْخَرون ، وان هذا ما سيقابلُ به المؤمنون الكفار يوم القيامة ويضحكون منهم . فقد روي أن صناديد قريشٍ مثلَ أبي جهلٍ ، والوليدِ بن المغيرة ، والعاصي بن وائل السُّهمي ، وشَيبة بن ربيعة ، وعتبة بن ربيعة ، وأميةَ بن خلف ، وغيرهم كانوا يؤذون رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ويستهزئون بهم ويحرّضون عليهم سفَهاءَهم وغلمانهم . وفي ذلك كله يقول تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يَضْحَكُونَ . … } . ان المجرِمين الجاحدين ، كانوا في الحياة الدنيا يضحكون من المؤمنين ، { وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ } عليهم بأعينِهم وأيديهم ، ويَذكُرونهم بالسوء ، ويشيرون إليهم مستهزئين ، { وَإِذَا ٱنقَلَبُوۤاْ إِلَىٰ أَهْلِهِمْ ٱنقَلَبُواْ فَكِهِينَ } نفوسُهم راضية بعد ما اشبعوا تلك النفوسَ الصغيرة من السخرية بالمؤمنين وإيذائهم . { وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ لَضَالُّونَ } . واذا رأى المجرمون المؤمنين قالوا عنهم : ان هؤلاء لَضالُّون ، فقد آمنوا بمحمَّد وتركوا ما كان عليه الآباء والأجداد من عبادة . ثم يردّ الله عليهم بكل أدب ووقار بقوله : { وَمَآ أُرْسِلُواْ عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ } ان الله لم يرسِل الكفارَ رقباءَ على المؤمنين ، ولم يُؤتهم سلطةَ محاسَبتهم على أفعالهم . ثم طمأنَ المؤمنين بذِكر معاملتهم للمجرمين يوم القيامة ، تسليةً لهم عمّا نالَهم من أذى ، وشدّاً لعزائمهم على التذرّع بالصبر فقال : { فَٱلْيَوْمَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ ٱلْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى ٱلأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ هَلْ ثُوِّبَ ٱلْكُفَّارُ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } الآن يومُ القيامة ، يوم الجزاء والحساب ، يجلس المؤمنون على الأسرَّة في نَعيم مقيم ، ويتناولون الرحيقَ المختوم بالمِسكِ وهم يضحكون من الكفّار وما يُعانونه من العذاب والطَّرد من رحمة رب العالمين . قراءات : قرأ الجمهور : ختامه مسك ، وقرأ الكسائي وحده : خاتمه مسك ، وقرأ الجمهور : تعرف بكسر الراء ، وقرأ يعقوب : تعرف بضم التاء وفتح الراء ، وقرأ الجمهور : فاكهين ، وقرأ حفص : فكِهين .